حكمة قديمة موجودة في أعماق الفكر الإنساني والقيمة العرفانية تقوم ركائزها على تقديم النصح للمرء بأن لا يملأ بطنه بل ينبغي أن يكون خفيفاً حتى لا يصبح عبئاً على قلبه ومعدته وأعصابه، ومن ذات الصور والدلالة يتشكل منهج السياسة القومية للسكان القائم على تنظيم المجتمع من خلال البرامج العلمية والآليات المواكبة في سبيل قيام التوازن والتكامل بين متطلبات التنمية الشاملة ومعدل التزايد في حجم السكان درءاً لوقوع الاشكاليات والأمراض في البيئة البشرية. ومن هنا تتأطر المبادرة الذكية واللفتة العملاقة من جانب الأمانة العامة للمجلس القومي للسكان في إدخال وتبني الدور الإعلامي حول مراجعة وتحديث السياسة القومية للسكان. فالشاهد أن الإعلام سلاح جبار وفاعل يتميز بالقدرة الفولاذية في بلورة الأشياء والمفاهيم من الزوايا التي تحقق الأهداف الحيوية للإستراتيجية السكانية، لذلك فإن الخطوة الارتكازية لبناء علاقة تكاملية بين الإعلام والمسألة السكانية تتوكأ على خيوط الأمل والتفاؤل والإبداع. والإعلام الناجح يضع عينيه على كل لون وآذانه على كل صوت وأصبعه على كل جسم، وذلك يعني أن السياسة السكانية تكتسب ألقاً فريداً من خصوصية الإعلام عندما تنطلق إلى الأمام على جميع الاصعدة. اللوحة البليغة كانت ماثلة للعيان بقاعة الأمانة العامة للمجلس القومي للسكان، حيث قضى المشاركون من لفيف الإعلاميين والاختصاصيين ورواد المجتمع المدني يوم الأربعاء 27 يوليو المنصرم وهم يناطحون الصخر ويفجون الصعاب على أمواج المنطق والتلاقح الفكري وكسر التضاريس الوعرة للوصول إلى الغايات المنشودة. كان الحضور في ضيافة البروفيسور ست النفر محجوب، وهي سيدة متألقة في بلاط العلم والاتيكيت، وفي السياق قدم الأستاذ سيد أحمد محمد أحمد ورقته التي كانت بعنوان خطوات ومراجعة تحديث السياسة القومية للسكان، والورقة الثانية كانت من نصيب الأستاذ الخبير إبراهيم أحمد إبراهيم وتناولت الملاحظات المبدئية لمراجعة وتحديث السياسة القومية للسكان، أما الحديث عن دور الإعلام في الترويج والتوعية حول القضية السكانية فقد كان على لسان كل من البروفيسور عبد اللطيف البوني والدكتور حسن التيجاني أحمد. لقد شكلت المداولات عنصر جذب واهتمام ورواج لموضوع الشراكة بين الإعلام والسياسة السكانية في إطار الوصول إلى صيغة إبداعية في مشوار تحديات المرحلة المقبلة. وفي الإطار ركز الأستاذ سيد أحمد محمد أحمد على ضرورة الاستجابة للمتغيرات الوطنية المتمثل في انفصال الجنوب وتوفير قاعدة معلومات أفضل علاوة على تزكية الموارد البشرية للحفاظ على معدل النمو السكاني. ومن جهته ذكر الأستاذ إبراهيم أحمد إبراهيم أن المراجعة السكانية يجب أن تستصحب كل القوى الفاعلة في المجتمع على رأسها الدور الإعلامي، مبيناً أن السودان يمر بظروف استثنائية تتطلب التكاتف الوطني، وتناول الأستاذ إبراهيم معدلات الزيادة السكانية في البلاد وقال إن السودان عام 2026م سيكون عدد سكانه حوالي 62 مليون نسمة، وطالب بحل القضايا العالقة المرتبطة بالمسألة السكانية التي تشمل الهجرة والحدود والإقامة وخلافه. ومن جهته قدم البروفسيور البوني تصورات ومقترحات لمعالجة إشكالية الجهل بالقضايا السكانية تقوم على تنظيم دورات تعريفية حول المسألة السكانية بحضور الخبراء وأهل الاختصاص، فضلاً عن قيام الإعلام بكل ألوانه بتسليط الأضواء على السياسات السكانية. أما الدكتور حسن التيجاني فقد اهتم بالدور الأمني في ملف السياسة السكانية بوصفه آلية إستراتيجية مهمة للغاية لا يمكن الاستغناء عن المساهمة القيمة التي يضطلع بها. المحصلة أن ماكينة الحوار الناجح الذي ساد منتدى الإعلاميين حول مراجعة وتحديث السياسية القومية للسكان تعتبر من المتحركات الواضحة التي تعمل على إزالة الركام عن وجه البرامج السكانية من وحي الآلة الإعلامية التي تكسوها إيقاعات المحاججة والشفافية. ما وراء هذا المنتدى توظيف ذكي لسلاح الإعلام في إطار المصلحة العامة والنهل من ينابيع السياسة السكانية لتكون في آخر المطاف أمام الجمهور. في هذا المقام لا يفوتني الإشادة بالدور الكبير الذي قامت به الأستاذة الصحافية إيمان عثمان في عملية الدعوة والمتابعة لانجاح هذا المنتدى بالصورة الذهبية. والخلاصة أن مرجعية بلوغ الغايات الكبرى للسياسة السكانية في أيد الزوجين الذين لا يمكن تجاوز إدراكهما العميق في الوعي وإحساس الانتماء.