ها هو شبح الحرب المُخيف والمرعب يُخيِّم على ولاية النيل الأزرق وكأن أهل المنطقة كُتب عليهم تجرع المرارات والحرمان والخضوع لمتلازمات الفقر والجوع والنزوح واللجوء من أرضهم.. بعد أن تعافت الولاية من الدمار والخراب طيلة السنوات الماضية وبدأت تنطلق نحو مسيرة التنمية والتقدم والازدهار، ها هُم (أمراء الحرب) تأبى أنفسهم إلا وأن تشتعل المنطقة من جديد، الكل في الولاية يحكي لك وبمرارة حالة الذل والهوان التي تعتريهم من قبل المليشيات المُسلحة بصورة فاضحة، ولن تصدق مواطناً إن ذكر لك أن تلك المليشيات تخضع المواطن لتفتيش استفزازي بحجج واهية يُعرِّض النفس للانكسار وهو ما دفع رئيس الحركة الشعبية بشمال السودان ووالي الولاية الفريق مالك عقار للتحذير من المُمارسات والاستفزازات العسكرية في ولايته، وطالب الأجهزة الأمنية بالرجوع إلى ثكناتها فوراً وترك مهمة حفظ الأمن لقوات الشرطة، وأعلن عدم قبوله بالإهانة لأبناء الولاية وإن كان الثمن مُغادرة منصبه وقال: (كُرسي الولاية ده لو بجعلني أقبل الإهانة لأهلي فسأتركه). (1) قال عقار مُخاطباً الفعاليات السياسية ومنظمات المُجتمع المدني بمركز مالك الثقافي بالدمازين (الثلاثاء) الماضي، إن البلاد تمر بمنعطف تاريخي وإن ولايته ستحافظ على السلام (بشرف وكرامة) دون ضغوط، ولن تقبل الانصياع للمركز وترفض محاولات التجزئة لأبنائها وتصر على مشاركتهم في كافة أوجه الحُكم المُختلفة عبر الانتخابات وليس عبر (الوكالة)، تبدأ بالرئاسة ولا تنتهي بمنصب وكيل الوزارة، وأضاف: (السودان القادم ده لو نحن ما فيهو هو ذاتو سيكون مافي). مُبيناً أن الجمهورية الثانية تحتاج إلى بدايات صحيحة للمُحافظة على ما تبقى من السودان، وأكد أن السودان مُتعدد إثنياً وثقافياً رغم محاولات إلباسه ثوب الإسلام والعروبة، وسيجد المقاومة والحرب من الإثنيات والديانات الأخرى، مؤكداً أن دُعاة العروبة والإسلام يدعون إلى تشتيت وتمزيق السودان، وقال إن السودان يحتاج إلى صيغة (كيف يحكم السودان؟) وليس صيغة (من يحكم السودان؟) وإجراء ترتيبات دستورية جديدة لترتيب تلك الصيغة، موضحاً أن الإثنيات الأخرى تحتاج إلى معرفة موقف الدولة الواضح من المعتقدات والوحدة والسلام، والاقتصاد، وتقاسم السلطة والثروة، وبناء دولة المواطنة للوصول إلى برنامج مُتفق عليه دون تجريم الآخرين أو تحديهم (بلحس الكوع) أو غيره. (2) لاحقت في الأُفق بوادر الحلول للأزمات التي طرأت في ولاية جنوب كردفان وكادت أن تمتد إلى ولاية النيل الأزرق ورشحت معلومات أن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير سيتوجه إلى ولاية النيل الأزرق للقاء رئيس الحركة الشعبية بشمال السودان الفريق مالك عقار، وبعد طول انتظار وترقب أعلن حاكم النيل الأزرق الفريق مالك عقار استعداده للقاء رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بصفته والياً للنيل الأزرق وليس كرئيس للحركة الشعبية بشمال السودان وأن لقاءهما لا يحتاج إلى وساطة باعتبار أن البشير رئيس مُنتخب من كافة أبناء الشعب السوداني، بما فيهم مواطنو النيل الأزرق، وأن شخصه مُنتخب أيضاً والياً للولاية من مواطني الولاية. وقال عقار مُخاطباً الفعاليات السياسية ومنظمات المُجتمع المدني بمركز مالك الثقافي بالدمازي (الثلاثاء) الماضي، إن الرئيس البشير بوصفه رئيساً لحزب المؤتمر الوطني ربما لا يكون معترفاً بمالك عقار كرئيس لحزب الحركة الشعبية بشمال السودان، ونوّه إلى أن رأيه أن يبعث البشير بنائبه علي عثمان ومساعده نافع علي نافع للقاء اثنين مثلهما من الحركة الشعبية بغرض التفاوض حول القضايا العالقة على أن يرفعا النقاط الخلافية للرئيسين (البشير - عقار)، باعتبار أن التفاوض على مستوى الرئيسين حال فشله سيقود إلى الحرب رأساً لعدم وجود جهة أعلى يمكن الرجوع إليها لتقريب وجهات النظر. (3) النيل الأزرق ولاية تصبح وتمسي على (الشائعات) بعد أن غاب واليها الفريق مالك عقار لأكثر من (5) أسابيع متنقلاً ما بين جوباوأديس أبابا وغيرها، رواية تقول إن الرجل قد (تمرد) بعد اندلاع الحرب بولاية جنوب كردفان، وأخرى تقول إن الرجل يفاوض في جوبا لتوفيق أوضاع أبناء الجيش الشعبي، وقطع الرجل قول كل خطيب عندما حط رحاله يوم الاثنين الماضي بالعاصمة الدمازين، عندها هدأت الأنفس وأصبح الكل يتنفس الصعداء.. ورغم الأجواء الخريفية التي أحاطت النيل الأزرق إحاطة السوار بالمعصم بيد أن حملات التفتيش الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية خوفاً من تسرب العملة من جمهورية جنوب السودان أفسدت الطمأنينة في نفوس المواطنين، وحملات التفتيش هذه رفضها المواطنون واعتبروها مُهينة لكرامتهم، أيّاً كانت الأسباب. (4) حال فشل النظام الحاكم في الخرطوم في تسوية نزاعات المناطق الثلاث سيجد نفسه في مواجهة قوس واسع من الاضطراب يمتد من حدوده الجنوبيةالشرقية مع دولة الجنوبالجديدة، حيث قوات الجيش الشعبي في منطقة النيل الأزرق الشمالية وفي اتجاه الغرب نحو جنوب كردفان ثم الامتداد الغربي أيضاً نحو جنوب أبيي الذي يلتقي مع ولاية جنوب دارفور، حيث وجود مسلحي حركات دارفور. وقد ترجح الخرطوم التعامل مع هذا القوس بالتدرج سعياً لإضعاف تأثيراته بالاحتواء السياسي أو العسكري قبل تفجرها في سياق واحد في حال اتسمت العلاقات المستقبلية مع دولة جنوب السودان بالعدائية. (5) لدى الحكومة تقدير، بنته على تجارب سابقة، في التعامل مع المجتمع الدولي بأنه لن يفي بوعوده معها بتحسين العلاقات، وإنما المتوقع أن تسوء بعد ضمان انفصال دولة الجنوب برضا واعتراف دولة الشمال.. الفشل في الوصول إلى تسوية في جنوب كردفان يقود بالضرورة إلى ذات الفشل في منطقة النيل الأزرق، حيث إن المنطقتين عبارة عن حزمة أمنية وسياسية واحدة لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن حلها بلا رؤية وبرنامج لتجاوز ظروف الحرب بحوار سياسي عميق وموسع ليستوعب الجميع.. نجاح جهود التصالح والاحتواء التي يقود جهود الوساطة فيها ثابو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية الرفيعة لمتابعة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بحيث تتوصل إلى وقف إطلاق النار في جميع الجبهات والتوجه لطاولة التفاوض سعياً لتسوية سياسية لكافة الملفات المعلقة بحيث يتم تدارك مواقف الضعف في الترتيبات الأمنية الخاصة ببروتوكولات النيل الأزرق وجنوب كردفان بتوفيق أوضاع جيش الحركة الشعبية هناك بعمليات متفق عليها للتسريح ونزع السلاح وإعادة الدمج، حيث تستوعب عدداً منهم في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ويتم تسريح من تبقى وفق برنامج متفق عليه يسهم في إعادتهم للحياة المدنية، ويبدو مما يجري من مفاوضات في أديس أبابا أن الأطراف جميعاً على إدراك بضرورة هذه الخطوة. والاتفاق على خارطة طريق مرتبطة بجدول زمني لإنجاز المشورة الشعبية بحيث توضع مصالح جميع الأطراف في الاعتبار بما يؤدي إلى تصور مشترك لإدارة الولايتين يعزز الشراكة السياسية الناجحة التي وسمت العلاقات السياسية بين الطرفين طوال الفترة الانتقالية، ويعظم مكاسب منسوبي الحركة الشعبية في الولايتين بما يحقق إجماع ورضا مواطني هذه الولايات.