مع بداية الشهر الكريم يقوم معظم الموريتانيين في الأيام الأولى للشهر بحلق شعر الرأس تيمناً بما تقول الذاكرة الجمعية للموريتانيين القدامى «إن الحلق ضروري حتى ينبت لكل شخص شعر رمضان». وتحمل عادات الشهر المبارك مسحة دينية واضحة للعيان، إذ يعمد كل في موقعه إلى الظهور بمظهر محتشم أكثر انسجاماً من أي وقت مضى مع ما يتطلبه رمضان من احترام ورحمة وعطف. وعلى صعيد مائدة الإفطار تنقلب العادات الغذائية رأساً على عقب ويتغير فن الطهي لتمتزج الأصالة بالمعاصرة، حيث تدخل الأطباق الأجنبية مثل أشكال الحلويات المغربية المطعمة بالسكريات والسوائل المختلفة التي تزين طبق الإفطار إلى جانب الوجبات التقليدية مثل «اللحم المشوي» و«الكسكسي». وهناك من العادات والشعائر ما يحييها شهر الصيام بعد أن كاد انشغال الناس بأعمالهم والسعي وراء لقمة العيش يأتي عليها، مثل صلة الرحم وعيادة كبار السن والمرضى والمعاقين. فيقدم رمضان فرصة نادرة للموريتانيين للتواصل ببعضهم البعض وإحياء عادة زيارات الأقارب وصلة الأرحام خاصة بعد الإفطار وبعد صلاة التراويح. وأغلب الأسر الموريتانية تبدأ استعداداتها لهذا الشهر بفترة قبله، وتزداد وتيرة الاستعدادات كلما اقترب الشهر الكريم، ويعتبر سوق المواد الغذائية الساحة الأبرز لهذه الاستعدادات، إذ تحرص الأسر على اقتناء حاجاتها من السوق، خوفاً من صعود الأسعار الذي عادة ما يشهده الشهر الكريم، وخصوصاً في المواد الأكثر استهلاكاً كالحليب بجميع أنواعه والتمور والسكر. والطعام في رمضان موريتانيا بسيط لا يتطلب تحضيره الكثير من الوقت والجهد عكس باقي الدول العربية، حيث لا تبذل المرأة الموريتانية مجهوداً كبيراً في تحضير مائدة الإفطار التي لا تزيد في أغلب الأحيان عن حساء وتمر وقدح من لبن الإبل الطازج والشاي. وتكاد لا تختلف الوجبات في شهر رمضان كثيراً عن بعضها لدى أغلب العائلات، فبعد يوم طويل يتحلق أفراد الأسرة حول سفرة فوق الأرض مرتدين اللباس التقليدي وجالسين على الأرض، ويعتبر الحساء المسمى محليّاً ب«النشا» والمحضر من دقيق الشعير الطبق الرئيسي في وجبة الإفطار، ورغم أن قيمته الغذائية ليست بالعالية فإنه الغذاء المفضل أكثر من الشوربة.. وبعد صلاة العشاء والتراويح يكون طبق اللحم المشوي قد استوى على الفحم ليقدم مع سلطة الخضر، وتختلف الناس في توقيت هذه الوجبة، فمنهم من يتناولها مباشرة بعد الفراغ من صلاة المغرب، ومنهم من يؤخرها إلى ما بعد صلاة العشاء والتراويح، أما وجبة السحور فغالباً ما تكون من الأرز أو الكسكسي, وفى السحور يقوم بعض الفتية المتطوعين بالسير فى معظم الشوارع فيقرعون الدفوف لإيقاظ الناس للسحور. وفيما يكثر تناول الموريتانيين للحوم الإبل والبقر في أغلب أشهر السنة الأخرى، يعزف معظم سكان نواكشوط وكبار المدن الموريتانية عن استهلاك هذه اللحوم طوال شهر رمضان واستبدالها بشواء المعز والضأن الذي يعتبر أفضل غذاء لدى سكان الصحراء، ولا يقدم في الغالب إلا للضيوف الكبار في المناسبات الخاصة. أما بالنسبة لذوي الدخل المحدود فيكتفون بوجبة واحدة أساسية وتعوض الباقي بمرطبات خفيفة والإكثار من شرب الشاي الصيني الأخضر. أو شراب «أزريك» وهو المشروب المفضل لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في موريتانيا. ويتكون هذا المشروب من الحليب الممزوج بالماء والسكر يتم تناوله طوال الليل. وتتضمن طقوس رمضان للموريتانيين حلق الرؤوس قبل حلول الشهر بأيام سعياً، حتى يتزامن نموه من جديد مع أيام الشهر المبارك ويسمى «شعر رمضان». كما تقوم بعض الأسر بتأجيل زفاف أبنائها لأيام هذا الشهر تيمناً به وتفاؤلاً باستمرار المعاشرة الزوجية لهذه الأسرة في مجتمع يبلغ فيه معدل الطلاق أبعد حدوده. وفي شوارع العاصمة الرئيسية تنشط الحياة الليلية وخصوصاً مع منتصف الليل بعد الانتهاء من صلاة التراويح وتناول وجبة العشاء حيث تفتح الأسواق والمتاجر الكبرى أبوابها حتى الساعات الأولى من الصباح. وفي النهار تنام المدينة بكاملها وتخلو الشوارع من المارة. ويهتم الموريتانيون اهتماماً خاصاً بإعداد موائد الإفطار الكبيرة (موائد الرحمن) والتى يدعون إليها كل محتاج وفقير وعابر سبيل كما يبعث كثير من الأسر المجاورة للمساجد بأواني تحمل صنوفاً مختلفة من مواد الإفطار ليفطر عليها الصائمون الموجودون فى المسجد وقت أذان المغرب.