ظل على مدار سنوات الحكم الوطني التي أعقبت الاستقلال مراقباً للموقف، شارك بصورة جزئية في فترة عهد مايو «المصالحة الوطنية» ثم مشاركة كاملة في حكومات الديمقراطية الثالثة؛ هو الأستاذ بكري عديل قطب حزب الأمة الذي قلبنا معه في هذا الحوار - الذي ننشره على حلقتين - دفاتر المرحلة السياسية، تجربة حزب الأمة في الحوار مع نظام جعفر نميري، تفاهماته وحواراته الحالية مع الإنقاذ، هل ثمة انقسامات حالياً داخل أروقة الحزب إزاء الحوار مع حزب المؤتمر الوطني أم أنها جميعها على قلب رجل واحد؟ حزب الأمة وموقفه من مسائل الشريعة والدستور، مستقبل الوضع في دارفور خصوصاً في ظل الأحداث التي تعصف بليبيا، موضوعات الإقليم الواحد وموقفهم منها.. بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { الآن هناك مراجعة لتجربة الحكم الفيدرالي، فهل تعتقد أنه يجب أن نودّعه تماماً ولا نراجعه فقط؟ - يجب أن نراجع التجربة وندعمها، فأنا لست يائساً منه، ولكن أعتقد أن تجربة الحكم الفيدرالي هي حقيقة تحتاج لمراجعة، فالنظرية من الأساس تم تطبيقها بطريقة غير سليمة في السودان كله. { كيف نختار الحكومة القادمة وهل يكون المعيار الجهوي - كما هو جار في الآونة الحديثة - سيد الموقف؟ - من الضروري جداً أن تمثل الجهوية في المركز المركزي. { ألا يختلف هذا المعيار مع المعايير التي تطرحها ثورات الفيس بوك في المنطقة؟ - الجهوية مطلوبة والفيس بوك لا يمثل تطلعاتنا فهو (ديزاين) يتم توضيبه على مجتمعات معينة ذات مستوى معين أيضاً من الثقافة والحياة والرفاهية، ونحن لسنا كذلك لأننا مازلنا مجتمعاً يحتاج الى تدرج يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا. { إذن ما هو تعليقك على ثورات الشباب التي اقتلعت زعيمين عربيين؟ - ثورات الشباب (الفيس بوك) لم تدخل بعد في المأزق الحقيقي وسيدخلون في مأزق صعب جداً. { هل أنت هنا داعم للشمولية؟ - أنا لا أدعم الشمولية بمعناها المطلق لكنني أقول من الضروري الموازنة بين الاثنين الديمقراطية والشمولية، كما أنه من الضروري جداً وضع الاعتبار في أي مراجعة لظروف الناس وعاداتهم وتقاليدهم وديانتهم ومعتقداتهم. { أبريل احتسبتكم من زمرة سدنة مايو، فهل أخطأت في ذلك أم أصابت؟ - هذا غير صحيح، فقبل السادس من أبريل نحن كنا في السجون وخرجنا بعد الانتفاضة، وبالتالي فإن ثوار أبريل هم الذين أخرجونا من سجون مايو. { أنتم كنتم مع جعفر نميري بعد المصالحة حاكمين معه فلماذا انقلب عليكم هكذا؟ - جعفر نميري دون سبب اعتقلنا تحت شعار «الثورة المضادة» وجاءت الإنقاذ أيضاً واعتبرتنا كذلك، ونتوقع في أي وقت ذلك، كأنما الشعار هذا صار ملازماً لنا وأصبحنا «موبوئين». { هل كنت مايوياً بالمصالحة الوطنية وليس بالانخراط؟ - نحن دخلنا مايو ببرنامج معين مكتوب بيننا وبينها، وبالتالي نحن لسنا مايويين، دخلنا السلطة ولكن عندما شعرنا أن مايو قد تنكرت لهذا الاتفاق تركنا السلطة، وصرنا معارضة عادية جداً داخل البرلمان، فالأنظمة الشمولية دائماً تعاني من عقدة تصنيف الآخرين بالثورة المضادة. { من الذي أطلق عليكم اسم السدنة لمايو؟ - هذا الوصف جاء من بعض الشيوعيين وبعض الاتحاديين وأهل مايو أنفسهم، فنحن كما قلت لك شاركنا في مايو باتفاق سياسي. { هل من هذه الزاوية تتخوفون من المشاركة في الحكم الحالي؟ - نحن لا نرفض المشاركة مع الآخرين، ولكن نرفض مبدأ الاستبداد بالسلطة واحتكارها وعزل الآخرين منها دون سبب، فإذا تم اتفاق وجاءت حكومة قومية سنشارك مع الآخرين كما قلت لك. { هل الصادق المهدي موعود بمنصب رئيس وزراء؟ - لا علم لي بذلك. { هل تقف مع إدخال هذا المنصب في الدستور الجديد؟ - لا نرفض أن يكون هناك رئيس وزراء في الدستور يمتلك صلاحيات يعمل بها، ولكن لا نريد لمنصب رئيس الوزراء أن يكون (همبول). { المؤتمر الوطني استقر في دعوته للحكومة ذات القاعدة العريضة، فإلى أي شكل أنتم ميالون هنا حتى تتحقق لكم المشاركة؟ - حزب الأمة لازال يدعو الى حكم قومي تشارك فيه كل الأحزاب الموجودة، وأهل الحكم «المؤتمر الوطني» يرفضون ذلك. فحزب الأمة لن يشارك في حكومة ما لم تكن حكومة قومية وهذا قرار متخذ من وقت بعيد. { مهما كانت الصفقات؟ - نعم مهما كانت، فهذا هو موقفنا باختصار شديد جداً، فالسودان مقبل على تحديات (وحفر) كل الناس سيقعون فيها إذا أصر كل طرف على رأيه. ففي الظروف الحالية من الضروري جداً للسودانيين أن يتوحدوا بغض النظر عن النظريات السياسية للأحزاب السياسية وتكويناتها، فالمرحلة القادمة لن نجتازها إلا إذا ما توحدنا، ولذلك ندعو الى جمع الكلمة وتماسك الناس في الظروف الحالية. { هل مازلتم في دعوتكم لضرورة فك الارتباط بين المؤتمر الوطني والحكومة؟ - هذه أطلقناها منذ زمن ولازلنا نؤكد عليها. { عودتك الأخيرة لحزب الأمة بعد حالة الاعتكاف، هل هذه العودة تعبر عن رضائك عن الحزب أم ما زال لك رأي خاص في الأداء الديمقراطي؟ - مازال حزب الأمة يحتاج الى بعض الإصلاحات وإلى بعض الحوارات الداخلية ومجهودات للم الشمل، فهناك من غادروا صفوف الحزب ومن الضروري جداً عودتهم. { هل حدث تشكيك - بعامل الزمن والمتغيرات - في شعبية حزب الأمة من حيث الزيادة أو النقصان، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أيضاً الانقسامات التي طرأت؟ - بكل تحيز.. ما زالت جماهير حزب الأمة كما هي، فجماهير حزب الأمة لا تستند عليه كحزب سياسي فقط، بل تستند عليه كحزب سياسي ديني. { هل تتحدون المؤتمر الوطني من حيث السند الشعبي الجماهيري؟ - أصلاً (ما في اثنين ولا تلاتة) في ذلك، ونحن لو الأمور كانت طبيعية في هذه البلاد ليس لنا (أخو)، أي لا يوجد حزب في الساحة نقارن به من حيث السند الجماهيري، ولكن لا نقول إن الآخرين ليس لهم وجود بل لهم وجود، غير أننا مازلنا أصحاب الأغلبية والأكثرية في هذه البلاد، ومازلنا أهل الكلمة في شؤون الوطن. غير أن الظروف قد تختلف من وقت لآخر، وكما قلت لك نحن لا نرفض المشاركة مع الآخرين ولكن نرفض الاستبداد بالسلطة وطرد الآخرين منها بدون سبب. { في علم الإدارة الناس يصفون المدير العام القابض لأي مؤسسة (بالبلدوزر) إذا قام قامت معه المؤسسة وإذ جلس جلست معه.. فهل ينطبق ذات الوصف في إدارة الشأن السياسي للأحزاب على الصادق المهدي والميرغني والترابي أيضاً؟ - من الناحية النظرية هذا ليس صحيحاً.. اعتبار أن أي تنظيم سياسي القرار فيه بيد شخص واحد هو الآمر والناهي، هذا قطعاً غير صحيح، ولا أعتقد أننا في حزب الأمة نعاني من نفس هذا الوصف، فالمسألة عندنا ليست بهذا الحجم، صحيح هناك بعض الأشياء هي من اختصاص الرئيس يتخذ فيها القرار باعتبار أن هذا من اختصاصاته دستورياً، ولكن من ناحية عامة أي قرار أو موقف أو ترتيبات لابد من أن تخضع للمراجعة والتشاور وإبداء الآراء جميعاً، وهذا هو مفهوم الدول الديمقراطية.