لن نستطيع القول إننا نفتقد الدراما السودانية هذا العام من رمضان بالذات، فقد امتلأت شاشات القنوات المحلية بها - حتى النيل الأزرق - وهذا دليل عافية أو انفراج لأزمة ظلت مستقرة في دم الإعلام السوداني المركز على الغناء كفعل أساسي في الفن دون غيره من القيم الفنية، كالتشكيل والشعر ولا ريب الدراما. فما دار حولها من لغط قديم خلق تلك الدائرة الأيونية التي تكهرب كل النقاد فلا يقتربون حتى، دعك من التحدث عنها. أما الذي يريد أن يسلم تماماً فيجب أن يرميها بكل حجار الخطايا، وكأن الدراما هي المكان الوحيد الذي يفتح أزراره لرياح الذنوب البشرية والمهنية ولا يخاف لومة اللائمين. فزاد طين الإهمال والإنزواء بلة. وقالوا لهم: ( الناس ما دايراكم، شوفوا بيقولوا شنو؟). وشنّت الفرق الكوميدية - كنوع فقط من أنواع الدراما - الهجوم على الصالات والندوات والمنتديات والافتتاحات، بل وحتى الأفراح، لتعوض بالنكات وإسكتشات الجمعيات الأدبية والمحاكاة المقلدة، ما فقدته الدراما ذات قرار. فصاروا هم الفعل الدرامي المستمر، بل ويعرفون ويستضافون على أنهم يمثلون الدراما في السودان ويعبرون عنها كفعل حياتي وفني تحدث عنه الفلاسفة الكبار وصورته الحضارات القديمة على أنه الحقيقة لكل حضارة . ورسمته على حوائط تاريخها، حديثاً يكون هو لسانها المستمر بالقول حينما تموت الأرواح، وجعلت منه سفيرها فوق العادة المرسل لكل البلدان يعبر عن ثقافتها وفكرها وشعبها (اعطني مسرحاً اعطك أمّة.) أما ما يحدث الآن ورغم هذا فهو غير مرضٍ حتى، فهل ما عاد يملك الأستاذ الفنان (موسى الأمير) من كل فنه المتكامل ذاك سوى إمكانية فقرة داخل كاميرا خفية - آفة الضحك المعلّب بلا فلسفة! - أم فقد الفنان (مختار بخيت) الأمل في البحث عن موضوع فاختار البحث عن زوجة بشكل لا يقارب الخيال حتى؟! وهل ما كبرت حكاياتنا السودانية لتشيل مسلسل بحاله ثلاثين حلقة طوال شهر رمضان الكريم كما في البلدان العربية الأخرى؟، أم ليس لدى الفنان (سيد صوصل) بكل ما يملك من طاقة فنية متفجرة ومفاجئة في الأفكار، سوى بيت للكل (ينتّش) في الموضوعات بحذر لا يشبهه ولا يتوافق ونجومية كل الفنانين الذين معه - مع حفظ المقامات - وهل نكتفي بحضور قصير كهذه الحلقات القصيرة أيضاً التي تختار جزئية الكوميديا فقط في الدراما، كي نضحك عبر (كلكلتنا)، مشاهداً مشاهدا، تنافق لنا الحياة اليومية حتى تسهل علينا؟! عليه فإن أمر الدراما (محيرني ومتحير) كيف تقوم إنتاجية لسلسلات متقطعة أو متسلسلة بصرف يبدأ من حجز كاميرات ومونتاج إلى أجور فنيين وممثلين - ولو ضعيفة - إلخ.. ولا يمكن مضاعفاتها لإنتاج فعل دائم بدلاً من شراء الاستلاب المستمر الذي تربى عليه جيل كامل لم يشاهد الجمال السوداني العادي وفوق العادي للممثلة السودانية ولا الوسامة والشهامة في الممثل السوداني؟! هل هي عدم شجاعة إنتاجية أم إنغلاق ثقافي لعدم الثقة في تمكن ومهنية الدراما من نقل الثقافة السودانية بتفاصيلها الصغيرة والنادرة إلى العالم الخارجي. أم هي نظرية مؤامرة ناجحة لتكسير الدراما، كما يحب كثيرون التهجم على المسؤولين في وزارة الثقافة وإدارات المرافق الإعلامية المختلفة القنوات؟ قد تبدو كلها إحداثيات لعملية حسابية لا تحل إطلاقاً فالدراما (بيت الكل)، والداخل إليها فاعلاً أو مشاهداً مفعولاً به عليه أن يفهم مغزى أن يشيل شيلته جراء ما سيفاجئه به سلبياً أو إيجابياً أغرب بيت!!