اقتحم الثوار الليبيون مقر الرئيس معمر القذافي في بيت العزيزية بالعاصمة طرابلس ولم يجدوه؟! فقد لاذ بالفرار وهذا ما كان يتوقعه كثير من الناس ونحن منهم، إذ كتبنا من أيام أن الأقرب هو أن يكون مصير القذافي أشبه بمصير صدام حسين.. أي أن يهرب من قصره. لقد هرب القائد الأممي.. ملك ملوك أفريقيا.. هرب من بيته.. من مقره الرسمي وما أبشع النهايات.. ولم يكن في مقدوره أن ينتهي رجلاً أمام قصر الرئاسة كما فعل الرئيس التشيلي سلفادور الليندي عام 1973م عندما انقضت عليه قوات الجنرال بينوشيه، ولا كما فعل غردون باشا عندما اقتحم الأنصار قصره على النيل الأزرق بالخرطوم ووجدوه واقفاً متماسكاً على سلالم القصر. وكانت فرص النجاة واسعة أمام غردون وقيل إن المهدي كان يريده حياً لكن غردون ببقائه حتى النهاية في القصر كان يدافع ويحترم شرفه العسكري وكان يجسد كرامة بلاده وكبرياءها. لقد أكد هرب القذافي جبنه.. واتضح أنه مثل كثير من الطغاة نمر من ورق وانضم إلى قائمة الحكام الجبناء الذين في ساعة الجد يولون الأدبار. ولقد ابتهج العالم بما وصل إليه الثوار في ليبيا التي أصبحت فعلاً رغم وجود بعض الجيوب في مصراته وسرت ورغم الغموض الذي ما يزال يكتنف مصير القائد الأممي.. تعيش في عصر ما بعد القذافي.. لقد دخلت ليبيا مرحلة جديدة لم تتضح قسماتها بعد ومن الممكن أن تتخللها بعض الصعاب.. وهذا يحدث في مثل هذه الثورات الشعبية الكاسحة، وسوف يكون للاختلاف الأساسي بين الثورة الليبية من جانب والثورتين التونسية والمصرية من جانب آخر، المتمثل في أن الثورة الليبية كانت ثورة مسلحة في حين أن الثورتين التونسية والمصرية كانتا سلميتين؛ سوف يكون لهذا الاختلاف تأثيره الواضح على النظام الذي سوف ينشأ في ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي. وسوف يكون هناك أيضاً تأثير واضح على النظام الجديد بحكم الدور الذي لعبه حلف شمال الأطلسي، فليبيا الجديدة سوف تتعرض لقدر من التدخلات الدولية أكبر كثيراً من ذلك الذي يمكن أن تتعرض له مصر وسوريا. وسوف يذهب كثير من المال الليبي لإعادة بناء ما دمرته الحرب بين الثوار وكتائب القذافي، هذا فضلاً عن ما دمرته غارات حلف شمال الأطلسي. سوف يدور بعض الجدل حول حجم الدور الذي لعبته هذه الغارات في نجاح الثورة الليبية.. لكن ذلك لن يقدح في وطنية الثورة.. فقد قام بها الليبيون عن اقتناع كامل وبلا أي توجيهات أو إيحاءات خارجية فقد خبروا ملك الملوك الهارب أكثر من غيرهم ثم لما فاض بهم الكيل اتحدت كلمتهم وإرادتهم على ضرورة رحيله. لقد سقط القذافي.. والحمد لله، والتهنئة والإجلال للشعب البطل الذي وصفه حاكمه التافه الحقير بالجرذان والمقملين.