من «بلو واشرب مويتو» إلى «غباشة العشا» و«الشملة المقطعة» و«الطبلة المفتاحها رايح».. بعض من مفردات درج السياسيون على استخدامها معلنين بذلك تأسيس قاموس سياسي جديد على أن إقحام مثل تلك العبارات يجعلنا نتساءل هل هي من باب إظهار الخشونة والسخرية السياسية بالخصوم أم قصد بها تقريب الفهم الخطابي إلى عامة الناس؟ وهل هي إرث لدى الزعامات التقليدية أم مفردات خطاب جديد للقيادات السياسية..؟ «لغة الهجين» التي درج بعض الساسة على التخاطب بها قد تترك بعض علامات الاستفهام حول مغزى استخدامها في لقاءات جماهيرية أم مؤتمرات صحفية وحول مدلولاتها أيضاً.. خاصة وأن اللغة هي مكون أساسي للهوية الثقافية لأي بلد ما هي أثر تلك المفردات على الإطلاق ومن هم أكثرها استخداماً. كوع وغباشة قد نرشح هنا «لحسة كوع البشير» فعندما رفض الرئيس دعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة قومية وتهديدها هي بإسقاط النظام قال الرئيس أمام حشد جماهيري في مدينة ود مدني، اللي عاوز اسقط الحكم يجرب «لحس كوعو». وعلى ذات النسق قال د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية في لقاء جماهيري بمحلية امبدة ان سنوات الانقاذ الماضية ليست سوى «غباشة فوق عشا»، وضرب نافع ذلك المثل واصفاً سنين الانقاذ الماضية ب «الغباشة» في اشارة منه إلى أن القادم سيكون آخر وأكثر إنجازاً.. ومعروف أن الغباشة من اللغة هي الروب بعد اضافة السكر والماء ونزع الدهون منه وهي من المشروبات الشعبية ويقال انها مريحة ومساعدة على الهضم.. ويتم تناولها عادة عقب تناول الطعام. وعاد د. نافع مرة اخرى وكرر «لحسة كوع» البشير مرة اخرى في لقاء آخر جماهيري «بالقريات» بالريف الشمالي ونادى في ذلك اللقاء بالسلام والمصالحة عوضاً ما اسماه «لملمة الكيمان والعربات» من اجل التظاهر لتغيير النظام، وقال حينها «الداير اقلع النظام اسهل ليهو لحسة كوعو»، واردف في ذلك اللقاء موجهاً حديثه إلى الجنوبيين بقوله «لو فكيتو درب التخريف والخواجات سنعينكم من الخير». وعاد السيد الرئيس عندما اصدر اوكامبو أمراً بخصوص اعتقاله وقال «بلو وأشرب مويتو»، وتناقلت فضائيات عديدة تلك العبارات، ويكرر السيد الرئيس أيضاً عبارة «الزارعنا غير الله اللجي اقلعنا» في اشارة إلى قوة توكلهم على الله سبحانه وتعالى. قمل .. ومشاط على أن اوفر تلك الاستعارات واكثرها عمقاً في لغة الهجين لدى الساسة فهي لدى السيد الصادق المهدي ومن بين العبارات ما اطلقه في لقاء جماهيري بولاية نهر النيل عندما قال «الشملة الوحيدة الما مقطعة وما مشلعة هي شملة حزب الأمة» وهي من بين العبارات التي اطلقها رئيس حزب الأمة القومي في اطار «شكر حزبه» وسبق وان قال في ذات الاطار «كل القوى السياسية «خمت وصرت» من الانقاذ متهما إياها بالخيانة ومجاراة الحكومة، مجدداً اتهاماته لها في ما اسماه الاستفادة من الحكومة وهو القائل «البيجي شبر بنمشي ليهو شبرين» وهذا في ما يخص المصالحة. وفي تعليق آخر له حول المشاركة في حكومة عريضة علق بقوله «إذا دخلنا بالوضع الحالي دي معناهو زي المشطناها في قملتها». وفي تعليق له حول تسليم الرئيس إلى المحكمة الجنائية قال «البشير جلدنا ما بنجر فيهو الشوك»، وقال في رثاء السيدة سارة الفاضل «كنت أسمع فيها ضربات النحاس». وفي إحدى خطابات المهدي بالجزيرة أبا وكان قد صادف عيد الأضحى سخر حينها من المشاركة في الحكومة وقال «لن نقبل بنصيب الفار في عليقة الفيل»، وهو القائل «الإنقاذ طبلة مفتاحها رايح»، وقال حول الثورة الليبية «ح تعمل «قرقرينة» في المنطقة في اشارة الى تأثر إقليم دارفور. أحمر شفاه واثناء زيارة وفد مجلس الأمن إلى الخرطوم في مايو الماضي قلل المهدي من اهميتها وقال ينطبق عليها قول «عاملة أحمر شفايف وسنونها مكسرة» وعاب على الوفد تركيزه على المسائل الاجرائية دون الجوهرية.. د. عبد الرحمن الغالي قال حول دلالة الخطاب السياسي للصادق المهدي واستخدامه لبعض المفردات وامثال التراث السوداني ان عوامل عديدة مساعدة الإمام على بلوغ تلك الحالة الخطابية فهو يمتلك ذخيرة ضخمة من الأمثال الشعبية ويعمل باستمرار على زيادة اضطلاعه في هذا المجال عن طريق القراءة والاستماع، هذا في ما يخص الادب السوداني ولا تقل عن ذلك في ما يختص بالادب العربي والغربي، وقال د. عبد الرحمن «للأهرام اليوم» ان الصادق المهدي سخر تلك الذخيرة في توصيل الرسائل التي يريد بثها وتوجييها الى الجمهور منتقياً الوسيلة الاقرب إلى فهم وعقول الناس. وقال د. الغالي ان اسلوب الصادق المهدي في توصيل الرسالة لا يختصر فقط على التراث الشعبي في الريف انما يتعداه الى داخل المدينة فهو ايضاً يراعي الفروقات بين الأجيال ويتحدث معهم بلغتهم. واعتبر الغالي ذلك الاسلوب لوحة من لوحات التفرد الابداعي والتميز لدى الإمام الصادق المهدي اذ ان لديه المقدرة على الربط بين الموقف الذي يريد ارساله وما يناسبه من مثل مدخلاً بذلك الاسلوب الخطابي للعديد من المفردات الى السياسة السودانية. لغة معتقة وينظر آخرون إلى لجوء العديد من السياسيين الى استعارة المفردات العامية في اللغة واقحامها في الخطاب السياسي السعي إلى إيصال رسائلهم بأسلوب بسيط على أن استخدامها هنا يكون بذكاء ودهاء ايضاً وقد يسعى بعضهم إلى تقديم خطاب مختلف به العديد من اوجه التميز عن الآخرين وبالطبع يهدف بعضهم من انصار التراث السوداني إلى سودنة الأشياء وربطها بالموروث السوداني الاصيل وهنا يمكننا الرمز إلى شخص كالصادق المهدي، فهو من أنصار حفظ وتقديم التراث السوداني في قالب مطور ولوحة مبدعة وتشهد بذلك عريشته الشهيرة التي نصبها وسط حديقة منزله بالملازمين فهي تعج بكل ما هو معتق من التراث السوداني الأصيل على أننا يمكننا ارجاع ذاك النوع من اللغة الهجين لدى الساسة إلى تعمد احياء لغات اندثرت في قاموس العامية السودانية والأمثال الشعبية والدارجة.