صحيح أننا كنا بحاجة لشيء من الفسحة بعد خروجنا من شهر الصيام، على الأقل ليعلم الآخرون أن في مشروعنا الحضاري فسحة، لكن أن نتفسح بهذه الصورة الكاسحة وأن تصبح الفسحة هي الأصل فهذا الأمر قد يحتاج إلى بعض المراجعات، ولو على طريقة مراجعات صديقنا الطاهر حسن التوم. (2) فكل فضائياتنا المحترمة كانت تخرج من فاصل غنائي إلى سهرة غنائية، وللذين يقرأون بتطرف أنا لست ضد أن تتحول «بلاد النيل والشمس والصحراء» إلى «بلد المليون مطرب ومغني»، ولكن رأيت لفت نظر صنّاع هذه البرامج إلى أنه ليس بالغناء وحده تطرب الجماهير، فهنالك ضروب أخرى لا تقل إبداعاً وإمتاعاً، منها صناعة الشعر والذكريات والارتحال في دهاليز التراث السوداني الغني بموارده الثقافية. (3) وحالتنا هذه التي ظللنا نرزح تحت وطأتها زماناً بعيداً يصلح لها قول شيخ العرب.. الهيلكم تمام فيها ما بتنقلبوا تعرفوا للقنيص ترعو وتعرفو تحلبو (4) كانت الحركة الشعبية كعادتها في كل الأعياد، كانت تعد لنا أطباقاً هائلة ومن ديار الوطاويط هذه المرة، من النيل الأزرق ومن عقر العاصمة الدمازين، لكن ما أفسد هذه المفاجأة أن روائح شواء هذه الأطباق قد سبقت مواقيت تقديمها، حكاية يصلح لها عنوان «العشاء الأخير» لمالك عقار في قصر حكومته الذي طالما ما افتخر به، فقد قال منذ فترة قصيرة «لي قصر كما للرئيس البشير قصر»، وأنا رئيس حزب كما البشير رئيس حزب! (5) فاليوم مالك عقار بلا قصر وبلا حزب بعد أن تفرقت بأنصاره السبل، فمنهم من لقي حتفه ومنهم اعتقل، وبعض العقلاء فضلوا التخلي عنه والانضمام إلى عمليات السلام والوطن والحياة، وذلك في اللحظة الفارقة بين خيار الوطن واللا وطن، بين خيار العودة إلى العقل واللا عقل واللا عودة. (6) فقراءة سياق الأزمة كانت تقول إن «حكاية الحلو» التي دهنت الجبال بلون الدم والغدر والخيانة، كانت هي بداية الطريق باتجاه الدمازين، كان لزاماً للسيد عقار أن يثبت أنه «رئيس الحركة الشعبية» لتحرير السودان بجمهورية السودان. كان لا بد أن يفعل شيئاً على الأرض، أرض الوطاويط، الأرض الجديدة القديمة، على أن الدمازين تمتلك من السمرة ما يؤهلها إلى التمرد على السودان القديم. (7) السيد عقار كان ملزماً بدفع بعض الفواتير، بل كان مرغماً بأن يسددها الآن، ففعل فعلته التي فعل وكان من المعتدين.. وكان من النادمين. (8) بالمناسبة.. أين المناضل ياسر سعيد عرمان؟ وهل صحيح أنه يحتمي بدولة الجنوب التي تشن علينا هجوماً بعدة محاور؟.. وهل هو مطلوب للعدالة لكونه المهندس الذي يضطلع برسم كل هذه الخطط، كما ثالث ثلاثة.. وللحكاية بقية؟!.