نعم، كانت الدهشة التي أصابت الجميع ناتجة من ارتباك تلك المعادلة، فبيروت التي تشجع السياحة وإقامة الرقص والحفلات، هي بيروت ذاتها التي ضاقت «بحفل خيري» سوداني صغير، وفات علينا أن نستشهد بأبيات العبادي التي قالها بلسان المك نمر في مسرحية مقتل ود كين: الهيلكم حقيقة وفيها ما بتنغلبوا فالحين في القنيص.. ترعوا وتعرفوا تحلبوا أرجو أن لا يتحول «القنيص» إلى «الرقيص» فيتحول البيت إلى «تعرفوا للرقيص»، وذلك كما تحولت في المقال السابق عبارة «إن باريس على سعة حرياتها قد ضاقت بقطعة قماش تضعها طفلة مسلمة على وجهها»، فكتبت «طفلة مسلحة»، وربما كان هنالك وجه شبه بين «الخمار والسلاح» في تلك البلاد التي باتت تنظر إلى تلميذات المدارس اللواتي يشهرن الحجاب كما لو أنهن يعلنَّ الحرب على بلد الحريات والعطور. ونلوذ من جديد بأحمد مطر. فإذا ارتضت أهلاً وإن لم ترض فلترحل فرنسا عن فرنسا نفسها إن كان يزعجها الحجاب. { خرجت الولاياتالمتحدةالأمريكية من مونديال جنوب أفريقيا على يد دولة غانا وبهدف أسطوري أحرزه شاب أفريقي أسمر أشعث، هل هي بداية السقوط لهذه الإمبراطورية، وبداية عهد التحرر والانعتاق لأفريقيا؟ وكما خرجت أمريكا فقد سبقتها المملكة المتحدةوفرنسا، وبدا أن فصلاً جديداً من التاريخ الآن يكتب من جوهانسبيرج، فصل أحد عناوينه «إن أفريقيا لم تخلق لتهزم إلى الأبد»، ولعل لعبقرية المكان بعض المدلولات، فلطالما تحطم الفصل العنصري في تلك القلاع على يد الثائر مانديلا، فها هم ثوار غانا يجعلون فصلاً آخر من القصة ينهار تحت أقدامهم، كما لو أن فصول الحضارة الغربية تسقط واحداً بعد الآخر، سقوط أخلاقي ومالي ورياضي والبقية تأتي، وعكير يسعفنا من جديد: ما بتخدّر البسقوها بعد النشفة وقت الروح تروح طعن الإبار ما بشفى يا رمز الوفا النادر عريس الكشفة في المعدودة ما بنفع دواء المستشفى. { قال لي: ألاحظ أنك قد غبت طويلاً عن الكتابة عن قضايا ولاية نهر النيل. قلت: إن آخر مقالة لي كانت بين يدي تشكيل حكومة الولاية، وكتبتها على طريقة الراحل الأديب الطيب صالح «من أين أتى هؤلاء؟»، فلم يحتملها البعض، وبعضهم استخدمها خطأ لخدمة أجندة خاصة، وقليل هم الذين احتسبوها للمصلحة العامة، وبرغم أشواقنا الكثيرة «لولاية الذهب والمانجو والتاريخ والقنديلا»، إلا أننا نفضّل أن نعطي حكومة السيد الفريق الهادي عبد الله فرصة لتقول هي كلمتها، وحالنا كحال ذلك الأعرابي الذي أنشد يوماً.. وكنت إذا جئت جئت لعلة فأفنيت علاتي فكيف أقول فلي بأرضك كل يوم حاجة ولا لي كل يوم إليك وصول. { أطنان من التصريحات والتأويلات تكاد تلفظها المطابع يومياً بشأن الوحدة والانفصال، ومن بين هذا الركام الهائل أظل أترقب ما يصدر عن رجل واحد، ما يصدر عن الأستاذ علي عثمان نائب الرئيس، وأحد رجلين صنعا نيفاشا التي تمضي الآن إلى شوطها الأخير، والرجل أعرف الناس بهذه الدهاليز ومآلاتها، «ويقلقنا صمت شيخ علي»، ولكننا نظل نصطنع الفرح والأمل والغناء التراثي السوداني وننتظر «الكرامة يا شيخ علي».. ضبحولنا الكرامة وأصبحنا فرحانين وضربوا دنقرن جوني العيال مارقين بسأل عن علي الولد البقود تسعين هو اللدر العلي ضهرو الخبوب والطين.