لم أقرأ في حياتي كتاباً يتردد صداه فى دواخلي ويسيطر على مجمل تفكيري وينقلني إلى فضاء الكون الواسع متأملاً فى خلق الله ومعجزته وإبداعه وينزع من دواخلي تصورات بدائية كلنا نتصورها لهذا الكون ونشأته ونهايته مثلما حدث لي وأنا أقرأ كتاباً لشاب سوداني هو بإذن الله (مصطفى محمود السودان)، بل أبعد وأكثر من ذلك وأشد. الكتاب عنوانه (القيامة فى ضوء العلم الحديث هل جهنم ثقب أسود)، للعالم العلامة محمد سعيد الحفيان الذى وفقه الله سبحانه وتعالى وهداه وأكرمه واجتباه لإنجاز هذا السفر المميز والمتفرد وهو يوثق الصلة بين العلم الحديث وما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مجدداً لوسائل الدعوة وواعظاً ومتفكراً، لا سيما وأن جهداً خارقاً بذله الرجل وهو ينقب فى أمهات الكتب فى جانب التفاسير والسيرة والكتب والنظريات العلمية ويضيف إلى هذا الجهد جهداً آخر يتصل بتدبره وتفكره وهو يستنبط النتائج والدلالات. كتبت عن هذا الكتاب قبل هذه الزاوية ولكن ما استجد وجعلني أكتب عنه من جديد هو مشاهدتى لبرنامج تلفزيوني بثته قناة الجزيرة قبل أيام يتناول جزئية مهمة من الجزئيات التى تناولها كتاب الأخ الحفيان وهي الثقوب السوداء التى ينظر إليها الحفيان باعتبارها (جهنم) وفق ما تتطابق إليه من العلم الحديث عن الثقوب السوداء وما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن نار جهنم، وقبل أن أورد ما جاء فى البرنامج أسرد بعض ما يطرحه الحفيان في هذا الجانب.. يقول الحفيان إن جهنم ما هى إلا ثقب أسود يتطابق وصفه تماماً مع الأوصاف التى وردت فى الكتاب والسنة مثل عملية الشهيق والزفير وغير ذلك الكثير من المتشابهات يوردها بالتفصيل ويهتدي الحفيان إلى إمكانية رؤية جهنم فى الدنيا قبل الآخرة، وذلك نزولاً لما جاء فى سورة التكاثر (كلا لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عين اليقين) صدق الله العظيم. ويربط الحفيان بين (علم اليقين) والرؤية الأولى لجنهم ويقول إنها ستحدث فى الدنيا، ويربط بين (عين اليقين) والرؤية الثانية وهى ستكون فى يوم القيامة. هذا ما يقوله الحفيان وهو يعلم أن هناك جهوداً يبذلها العلماء لكشف سر الثقوب السوداء عبر تطوير أجهزة تصوير عملاقة ويضرب للرؤية الأولى موعداً فى 2025م وربما قبل ذلك أو بعده حسب التوفيق الذى يمكن أن يلازم جهود العلماء فى هذا الجانب. البرنامج التلفزيونى كشف عن صور التقطها علماء كوريون لثقب أسود وهو يبتلع نجماً يعادل أربعة ملايين مرة حجم الشمس وقد حدثت عملية الشهيق والزفير وشوهدت ألسنة اللهب تتمدد خارج الثقب وتهبط إلى داخله، ويقول العلماء إنه ليس هناك شيء يستطيع أن يفلت من الثقب الأسود إن عبر فى مجال جاذبيته، بما فى ذلك الضوء، باعتباره الأسرع من بين كافة مخلوقات الله سبحانه وتعالى وينتظر أن يطوّر العلماء من أجهزة التصوير لكشف المزيد من أسرار الثقب الأسود، وتعد الخطوة التى أنجزها العلماء الكوريون خطوة مهمة فى هذا الاتجاه. في سورة التكوير يقول الله سبحانه وتعالى (إذا الشمس كورت) وفي هذا الجانب يقول الحفيان فى كتابه إن تكوّر الشمس يحدث عند دخولها مجال جاذبية الثقب الأسود ومن ثم تبدأ تتكوّر بسبب تعرضها لعملية جذب هائلة، وهذا الآية تأتي فى سياق وصف قيام الساعة، والحفيان يقدم إضاءات كثيفة ومنطقية وعلمية فى هذا الجانب لا يسع المجال لذكرها، ومن جانبي أنا أقف عند الآية (وإذا الجحيم سعرت) وأربط بينها وبين عملية ابتلاع الثقب الأسود لذلك النجم الذى يساوي أربعة ملايين مرة حجم الشمس والتى رصدها الكوريون وصوروها وبثتها قناة الجزيرة وينتابني إحساس بأن هذه العملية تأتي فى سياق تسعيّر النار، لا سيما وقد بدأت الكثير من العلامات الصغرى تتحقق. عموماً الكتاب فتح كبير ونحمد الله سبحانه وتعالى أن خص به أحد شباب أمتنا ونأمل أن يطالعه الناس ويقرأونه لما فيه من تبيان لمعجزة الخالق وإبداعه وحكمته، ومن جانبي طلبت من الأخ الحفيان أن يكتب سلسلة مقالات قصيرة لصالح قراء صحيفة (الأهرام اليوم) وقد فعل ونحن في انتظار ترتيبات أسرة التحرير حتى يطالع الناس هذه العلوم وهى بالتأكيد ممتعة وذات أثر عظيم على كل من يطالعها من خلال هذا الكتاب.