اليوم تحتفي البشرية بسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو احتفاء تتباين أشكاله ومضامينه، ولكنها تصب جميعها وتسلِّم بعبقريته وعظيم خلقه وعدالته وشفافيته وتفرده، وقد وصفه حتى الكفرة بأنه الأفضل من بين كافة عظماء التاريخ، وذلك وفق قياسات وقراءات وحسابات ومعايير تفصل بين الاختيارات والترشيحات، من بين هؤلاء العظماء، فكان صلى الله عليه وسلم أولهم وأفضلهم وأعظمهم. سيرته صلى الله عليه وسلم تتحفك بكل جميل وعظيم في كافة الأمور التي تتصل بدنيانا وآخرتنا، وهو الخاتم للرسل والأنبياء، فالمتتبع لسيرته قبل الرسالة يجده الصادق الأمين بشهادة قومه، وهو في تلك الفترة يحسن المعالجة الاجتماعية لمشكلة استعصت على قومه وقبائلهم وعشائرهم، وهم يصطرعون للفوز بشرف وضع الحجر الأسود في موضعه، بعد إعادة بناء الكعبة الشريفة، فيهتدون إلى فكرة تحل هذا الخلاف الذي نشب بينهم، فأجمعوا أمرهم على أن يحتكموا إلى أول قادم، فكان الصادق الأمين، فاقترح عليهم مقترحاً يجعلهم شركاء في شرف وضع الحجر الأسود في موضعه، فأتى بقطعة قماش وضع عليها الحجر الأسود، وتشابكت أيادي قومه ترفع الحجر قريباً من موضعه، فيزيحه بيده الكريمة من القطعة إلى موضعه، فينال بذلك شرفاً عظيماً ويحل مشكلة كبيرة كان من الممكن أن تؤدي إلى فتنة كبيرة. العلم الحديث بكافة ضروبه له قياسات قبل أن يطلق أحكامه، وعند تطبيق هذه القياسات على سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يخرج بذلك التصنيف الذي أشرنا إليه، وهذه القياسات تقوم على الموضوعية ولا تسلم بأن هذا الأمر من عند الله سبحانه وتعالى، وتكتفي بذلك، وإنما تبحث فيه حتى تصل إلى النتائج التي يقوم عليها حكمها النهائي، وهي عندما تبحث تصطدم ابتداءً بأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، بعثه الله إلى قومه، وقومه يومها هم الأضعف والأفقر، مشتتون في بيئة قاحلة لا تملك مقومات حياة، ناهيك عن مقومات دولة، والمحيط من حولهم يعج بالكبار من الفرس والروم، قطبي القوة الأعظمين آنذاك، فينهض الحبيب صلى الله عليه وسلم بقومه ويوحدهم ويطهرهم ويقيم العدل فيهم ويبني دولة عظمى على أنقاض قطبيها الفرس والروم، وتعمر دولته لقرون وتنشر العدل وقيم الإسلام السمحة بين الأمم، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل معي رجلاً يخرج علينا الآن من داخل دولة منهارة بلا موارد ولا صناعات وقوة ضاربة تحمي بها نفسها، ناهيك عن أن تدك بها حصون الآخرين، يخرج علينا وهو بهذا الضعف فيزيح أمريكا وأوروبا والصين وروسيا، وينصّب دولته قوة عظمى، أسألك عزيزي القارئ كيف تنظر إلى رجل كهذا؟؟ بالتأكيد سيكون أعظم رجل في التاريخ الحديث والقديم، بعد أن حقق المستحيل وغيّر مجرى التاريخ. الحبيب المصطفى لم يقم دولة عظمى وحسب، وإنما أقام عدلاً وأطلق قيماً وأضاء للبشرية دروبها وقدم لها الوصفة المنجية لها من أوحالها وأعراضها وعبثها وظلامها، ولم تغادر الكتاب الذي أتى به شاردة ولا واردة إلا وأحصاها، ومهما تقدم العلم الحديث في اكتشافاته وبحوثه تجدها تتطابق معه نصاً وروحاً. الاحتفاء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون بالبحث في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة، وربط كل ذلك بالعلم الحديث، مثلما فعل الأستاذ محمد سعيد محمد الحفيان في كتابه (القيامة في ضوء العلم الحديث هل جهنم ثقب أسود؟) وبذلك نجدد في وسائل الدعوة ونكشف للبشرية عظمة هذا الدين وريادته وعلميته.