- مرة أخرى تركتني وابتدعت السفر حيلة للرحيل.. - مرة أخرى تعاود الهطول مطراً لا يعرف له الخير طريقاً.. - مرة أخرى تحيط قلبي بهالة من الظنون على كائن حجري ما يُدعى الرجل.. - مرة أخرى أعود وفي دمي بصمة منك قسمي الموت.. أموت أنا ويزغرد القلب مطمئناً.. أموت وتعزيني عليّ.. وأنت القاتل؟ - مرة أخرى هو الخنجر المسموم نفسه الذي نسميه البكاء، يغرس أنفاسه في خاصرة العينين يمزقها إرباً إرباً.. يعاشرها آلاف المرات بكل ثانية لتنجب طفلاً مغضوباً يُدعى «الدمع».. - لقيط هو هذا الإحساس، وحدي تكفلت به، وحدي صنعت له من لحمي قميصاً، وحدي كفنت أناي ودفنتها دون أن أنزف من دمعي عليها، وامتطيت العشق قادمة إلى ربوعك التي وهمت نفسي ومن حولي بأنها الأمان!! وحدي ادعيت أنك الملاذ الذي ما جاءت به الأقدار لسواي.. - وها هو الجسد الذي غذيته بدمي وأطعمه من عميق الروح واستبحت له القلب سكناً دافئاً، ورأيته يكبر يوماً بعد يوم، ها هو يتركني أتلوى دمعاً وأكتوي ناراً.. - ها هي الأفراح تتساقط كحراز ما ناوشته آلاف الغيمات.. - مرة أخرى أغوص في عمقي وأنطوي عليّ، وأخرج بلا ساق. تتحرك قدماي ولكني أعاني الشلل. لأنك فيزياء الروح، ولأنك ديناميكا القلب ولأنك منبع الإشراق في حلك الزمن. هل أنت نفس الرجل الذي كذبت كل الناس إلا صدقه، ومحوت من في القلب أو في الجرح أو العين إلا طيفه المسموم حين يمر بالأعماق يؤلمني ويعطيني الحياة؟ - هل أنت ذاك الآدمي المتكئ على كل خلية وكل صمت وقول؟! - أو انكسار آخر يجتاحني ليترك القلب أشلاء لحم ودم لا يعرف معنى العطاء؟ مرة أخرى؟؟ دموع وألم «وضجيج» آهات يستبيح هدوء العاطفة؟؟ هه!! أي هدوء هذا الذي تتحدث عنه أيها اللسان المشاكس؟ بل ضجيج آهات يستبيح بزوغ العاصفة! - هذا وصفي بعد الآن.. أنثى تمتلك قلماً باهتاً وأوراقاً بيضاء أكل منها الفأر ما يشتهي، وبعض ذكريات تجترها كلما حلمت بنور يملأ أفقها المظلم، وآلة لن أسميها سوى كما عرّفها الطب أنها آلة تعمل على ضخ الدم؟ وأي دم هو الذي ستضخه؟ - إنه ذات الدم الذي رسمتك على كل قطرة من قطراته.. أواه، لو أستطيع أن أتبرع بهذا الدم كله لمسافر ما في رحلة الحياة يملك حباً جميلاً أراد الموت أن يحول بينه وبينه، ولكني أخاف أن أراك تتجدد مع كل «صفيحة دموية» أخرى .. رجل آخر لا يملك في دمه سوى الرحيل!!