لم تعد رسائلي إليك أوراقا مسافرة.. يتقاذفها سعاة البريد من كيس إلى حقيبة.. ومن صندوق إلى آخر.. ومن مدينة إلى مدينة، لم تعد سرا أخبئه بين طيات كتابي المدرسي.. أفتحه خلسة بدعوى المذاكرة.. ويرافقني طوال العام الدراسي لينتهي إلى أقصى خزانة ملابسي مع بداية الإجازة الصيفية وبعد أن أبلل أسطره بدموع الشوق والفراق في ليلة صيف قاسية الحرارة لم يعاودني بها نسيم همساتك في مناجاة شوق رددناها يوما في لحظة صفاء ونحن متباعدان في حياء كل أمام داره نستمتع بذلك الجوار المقدس.. لأعود إلى فراشي مفعمة بالسعادة فيعاودني طيفك البسام مرددا اسمي خواطره ليظللني غيم هواك ويبللني رذاذ غيثك فتخضر من وقعه أرض نقية الثرى تصون الود في الغياب والحضور. الآن.. أصبحت رسائلهم إلكترونية.. حروفها متشابهة.. وكلماتها متشابهة.. ومعانيها باهتة.. وتأثيرها بارد.. وعواطفها مصنوعة. يكتبها أحدهم للعديد من النساء في حياته.. وتعبث بها أخرى مع كل الرجال في حياتها.. ألا رحم الله طابع البريد الذي لا يعرفونه.. وختم (البوستة) التي لم يرتادوها.. والحب القديم الذي لم يعيشوا حلاوته ومعاناته. وما بين الماضي الحميم والحاضر المتطور كيف تريدني أن أكتب لك رسائلي الحديثة؟ فساعي البريد لم يعد يرتاد حيّنا.. والرسائل المعلبة هذه لا ترضي طموحي فأنا أريدك أن تغازل خط يدي أو تنتقده كما عودتنى.. أريدك أن تعمل عقلك في استنتاج كلمة ما استعصت عليك لتختبر مدى تواصلنا الروحي.. أريدك أن تفهم عتابي كلما كتبت لك بالقلم الأسود.. وتدرك رضاي وحبي كلما كتبت لك بالقلم الأحمر.. وتستشعر حنيني في القلم الأخضر.. بالمناسبة هل لا تزال هناك أقلام ملونة؟؟ وفيم تستخدم؟!! وقل لي بربك كيف أكتب حنيني إليك في هذا المساء؟ وبأي وسيلة أبعثه فيصلك دافئا طازجا كما هو؟ فيرف بين يديك كعصفور صغير.. وتحيطه لهفتك من كل الجهات.. وتسهر عليه عيناك فيبدد عنك وجع الاغتراب.. ويدلف بك إلى عالم لا تحده حدود جغرافية منسوج من روح الكلمات وخيوط الصدق والعواطف النبيلة.. تغتسل فيه من غبار رهقك ومعاناتك برذاذ إخلاصي وترقبي.. حتى تعود ومعك تلك الأماني في لحظة ندية ريانة الثواني محملا بالخير والخيرات لتفتح باب الوصال على مصراعيه وتغلق باب الحنين ليصبح في سفر الأيام ذكرى بين أضابير قصائدي ربما تتغنى بها ألسنة الأيام.. ذات يوم. هكذا يشتد حنين الاغتراب.. ويتمدد ليل الغربة والبعاد في أعمارنا القصيرة وإن طالت.. تغادر الأشواق حنايانا وتسافر إلى ديار المحبوب في مضارب أخرى قاطعة أودية الصبر بعد أن شحت الأرض وتناثر العشاق بين منحنيات المراعي سعيا وراء الرزق الذي يقي مغبة البعاد فلا يعود ثمة أنيس يؤنس.. أو همسة حب تدفئ رتابة الأحيان.. إلا أن يعود الأريج إلى الأزاهير الذابلة.. وتأخذني إلى دنياك فيعطر عبيرها الزوايا ويبدأ الكرنفال. وحتي ذلكم الحين المأمول.. لك الود والحب والتوق والشوق والصدق والنجوى.. حين يعز التلاقي وتتزاور ضمائر الأطياف.. لك المن والسلوى والرزق الوفير والخير العميم والمال الحلال بحق رب العزة الذي استودعتك إياه ولن يخذلني بإذنه.. لك دعواتي، وأمنياتي، وتحياتي، ولك.. أنا. } تلويح: مساء الخير.. مساء الإحساس والطيبة.. مساء الحنين الذي لا يهدأ.