{ (الامتياز) من الفترات المرهقة جداً بعد التخرج، ولكنّها مفيدة، وتظل ذكرياتها منحوتة في الخاطر، ويتعرف فيها الطبيب على زملاء من جامعات أخرى وترتبط روحه بهم، ربما أقوى من زملاء درسوا معه في نفس الكلية. { وكلية الطب (مجازفاتها) كثيرة.. خاصة للذين درسوا بعيداً مثلنا وقبعوا بداخليات الصندوق القومي لدعم الطلاب. وهنا أذكر لكم إحدى (مجازفتنا) وذكرياتنا الطريفة في فترة الامتياز، وكنت حينها بقسم الأطفال بأحد المستشفيات، ففي أول (نبطشية) لي كان هناك طفل صغير مريض تقرر له عمل صورة أشعة مقطعية للصدر، وكعادتي منذ أوّل فترتي بالامتياز كنت أتعامل مع مرضاي برفق شديد.. حتى أن (المستر) قال: (بتتعامل مع المرضي كأولادها).. وهو أمر لا أدّعي أني أنفرد به بين الأطباء.. لكني أحاول بقدر الإمكان أن أفعل ما بوسعي. { المهم كان المريض لا يستطيع أهله إجراء الصورة لأنها باهظة الثمن، وتلك المستشفى كانت ميزانيتها تخرج لعدد معين من الصور المقطعية.. لأن التصوير يتم في أماكن خارجية خاصة لا تتبع للمستشفى.. وأنا لم يكن لديّ علم بذلك.. فسألت من أين أبدأ؟ فقيل لي: لا يتم التصديق لعملها مجاناً إلا بتوقيع من المدير الاداري.. ولم أكن أعرف الإداريين في المستشفى، فذهبت إلى مكتب المدير الإداري، وكان المنصب تشغله طبيبة.. وعندما وصلت وجدت طبيبة ظننتها المدير الإداري، فأخذت أحدثها عن مريضي، لكن تدخلت أخرى كانت تجلس بجانبها وقالت لي: إن للمستشفى سقف لهذه الصور كما تعلمين، وإذا اكتمل فليس هناك إمكانية إلا الأسبوع القادم..! { عندها.. وبحكم فترة الامتياز وما يعتري الأطباء فيها من أحاسيس عالية وحماس تجاه المرضى.. غضبت واحتددت في مع تلك التي تدخلت، وقلت لها بنبرة حادة: (وماذا لو سقف المستشفى لا يكفي؟ هل مريضي يظل من غير صورة)؟ فقالت: (الصورة دي ما لي حالة مستعجلة عشان تستعجلي كدا).. فرددت عليها بنبرة أكثر حدة: (لا.. بل مستعجلة، لأن المريض نحن شاكين عندو ورم خبيث في الصدر، ولو ما اتعملت اليوم حنتأخر في التشخيص.. وإذا إنتو ماعندكم تدفعوا لمريضي أنا حأضطر أنقلوا لمستشفى تاني).. قلت كل هذا وأنا منفعلة جداً.. وأثناء ذلك سألتني: (إنتي تبع أي وحدة).. فأخبرتها.. فقالت لي: (إنتي قايله نفسك شنو؟ إنتي امتياز.. ما عندك أي صلاحية وما من حقك تقرري).. فرددت عليها بحدة أيضاً: (أسمعي, المريض مريضي أنا، وليس مريضك ولا مريض الاختصاصي.. وأنا بعمل المفيد له).. واتجهت خارجة.. فقالت لي: (جيبي ورقتك دي).. ثم أردفت: (خلاص يلاّ اتفضلي أمشي للمدير الطبي يصدق ليك).. فذهبت إلى المدير الطبي، وكنت أعرفه، فاستغرب، لأنه ما من قانون بالمستشفى يسمح بالتصديق لوحدة بصورتي أشعة مقطعية في نفس الأسبوع، والميزانية لا تسمح.. وعندما حكيت له كانت المفاجأة..! { تفاجأت بأن التي أدرت معها نقاشي الحاد واحتددت معها في القول هي المدير الإداري..!! وأنا كنت أظنها السكرتيرة أو موظفة..!! وضحك المدير الطبي لاشتباكي وأنا طبيبة امتياز مع المديرة الإدارية.. فارتعبت قليلاً.. وعندما ذهبت إلى العنبر سألني النائب: (إنتي عملتي شنو في مكتب المدير الإداري..؟ الاختصاصي اتصل ليستفسر لأن المديرة اشتكت منك)..؟ فحكيت القصة وضحك الجميع..! { الطريف أنه في اليوم التالي كان هناك مريض يحتاج إلى صورة، فذهب زميلي إلى المدير الإداري وقال لها: (نحن ناس وحدة فلان نريد عمل صورة).. فقالت: (ناس الوحدة دي جننوني).. وبدون تردد وقَّعت..!! فقال النائب: (تاني بسْ نرسّل مُنى)..!! { ثم قابلت المدير الإداري بعدها فقالت لي مداعبة: (الفصيحة.. انتهيتي خلاص.. ماشه وين)؟ فقلت لها: (السلاح الطبي).. فقالت لي مداعبة: (ناس الجيش ديل بقطعوا ليك لسانك الطويل دا لو اتفاصحتي معاهم)..!! ثم أفهمتني وضع المستشفى وإمكانياتها المتاحة وقالت: (نحن ما بنبخل لكن الوضع صعب جداً..) { وهكذا وبمرور أيام الامتياز.. أدركت الحقائق والظروف، فالأطباء لا يقصرون، وقد يتبرعون بالدم لإنقاذ مرضاهم.. ومنهم من يعرض حياته للخطر.. لكن كل ذلك يتم وفق الإمكانيات المتاحة..!!