{ لا بد من الرجوع خطوات للوراء لتثبيت الأقدام ودفعها للأمام. فالحياة كما تنبئنا خطواتنا ودقات قلوبنا، تسير إلى الأمام. أي إلى المستقبل الذي ينشده كل إنسان ويتمنى أن تكون حياته فيه أفضل ممّا كانت عليه في الماضي، وينبغي ألا يمحو أو ينسى أحداث الماضي التي من شأنها تحديد المعالم في الدرب الجديد. { لكل منا ماض مليء بالأحداث والذكريات الطيبة والتجارب بمختلف أنواعها. ولا شك في أن لأمهاتنا وآبائنا دورا كبيرا في ما اكتسبناه من معرفة وعلوم وعلاقات وأخلاق. وهنا لابد من التركيز على دور الأم التي تحمل الطفل في بطنها ويتغذى من دمها وتعاني ما تعاني من الحمل إلى أن يرى طفلها نور الحياة. ويظل معتمداً على لبنها إلى أن يتم فصاله، وأمه ساهرة للاهتمام بشؤونه ورعايته إلى أن تثبت قدماه ويحاول المشاركة في ما يفعله الآخرون من حوله. { المجهود الذي يبذل لكي يصل الطفل إلى هذه المرحلة الأولية كبير جدا وربما يتوقف على قدرة الأم ويستدعي مشاركة الآخرين من الأقارب وبالأخص أم الأم أي جدة الطفل التي تمتلك تجارب جمة في هذا المجال حيث أنها مرّت بهذه التجربة من قبل ويمكنها التوجيه وإبداء النصح لابنتها لكي تحسن رعاية مولودها. { يجدر بي وأنا أكتب عن هذا الموضوع أن أرجع للوراء وأصف ما كانت تقوم به جدتي لكي تعين ابنتها على سلامة ورعاية أطفالها. كنت أحب جدتي كثيرا وتتراءى لي مواقفها الجميلة أمام عيني الآن وهي تحتضن أحد إخواني الصغار وتطعمه وتسقيه وتقوم بتنظيف جسمه بالأخص عندما تكون والدتي في حالة حمل أو وضع. { كنت أعجب بما كانت تتحلى به جدتي من صفات طيبة مثل إيمانها الصادق بالله وصبرها ومثابرتها وحب الخير للآخرين. وأيضا كيف كانت توجه أمي عندما يكون هناك شقاق أو اختلاف بينها وبين أبي. كانت تسعى دائما لاحترام أبي وكأنه زوج لها وليس لابنتها، مما يؤكد أن النساء في الماضي كن يقدّرن مكانة الزوج كثيرا ويعتبرنه عماد البيت، وسلوك جدتي هذا جعل أمي أكثر ارتباطا بأبي ووعيا بتجارب جدتي التي أوضحت لها معالم الطريق الصحيح. { استقرار حياة الأسرة وأفرادها واستتباب أمنها ورفاهيتها في الماضي يعود لإدراك كل من الزوج والزوجة أو الأب والأم لمسؤولياتهم تجاه أبنائهم والاحترام المتبادل بينهما. ولعلمهما بأن الزواج ارتباط ديني مقدس لابد من احترامه والتقيد بمواثيقه ومن ثم يسعى الطرفان بمدى قدراتهما وإمكاناتهما للبناء خطوة خطوة لمستقبل أبنائهما. { ولابد من تقدير كل من الطرفين لظروف الآخر والسعي في إطار إرشادات ديننا الحنيف الذي ييسّر لنا الأمور بقوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) فأنت يا أيتها الأم الكريمة عليك الاهتمام بمصلحة أبنائك وتربيتهم تربية سليمة وذلك أولا بالرضا بما قسم الله لك ولأب الأسرة إن كنت عاملة أو غير عاملة وتسوية أمورك في نطاق الدخل الذي سخره لكما الله وعدم المبالغة والتركيز على الأولويات والبعد عن المظاهر وشكليات الحياة. { ومهما قلّ على الأسرة أو كثر الدخل ينبغي مواجهة الوضع بالتخطيط السليم والتدبير وعدم التبذير. وما نشاهده اليوم من اندفاع الأسر نحو المظاهر والتبذير والإسراف في الأعراس وفي الحفلات وأعياد الميلاد من بذخ وصرف الأموال في شراء بعض الأشياء من أثاثات وملابس يسبب العجز ويخلق المشاكل ويؤثر في تربية الأجيال ويجعلها تنحرف عن جادة الطريق. { أنتن تعلمن بأن تنشئة الأجيال وتربية الأطفال أمانة في أعناقكن، وحسابها عند الملك القدير عسير. وقد آن الأوان للرجوع إلى الأصول وتعليم النشء الأخلاق الحميدة التي يوصينا بها ديننا الحنيف والتخلي عن البذخ الذي أصبح سمة من سمات فتياتنا في هذا الزمان. { علموا النشء علما يستبين به سبل الحياة وقبل العلم أخلاقا. أ/ عبد الله محفوظ صالح معلم بالمعاش