كما يرحل الطيف.. رحل العندليب الأسمر.. وتجادلت الدموع في الماقي: دمعة تبكي صدق الكلمة التي حملت الوفاء والصدق.. ودمعة تبكي لحناً ملائكيَّاً تستسلم له الآذان ليأخذها إلى عوامل الجمال والرقَّة والحنان.. ودمعة تبكي صوتاً دافئاً تشرَّبت به دواخلنا وتشبَّعت.. فله فيها (مملكة) لا ينازعه فيها سلطان.. غير أن أكثر الدموع حرقةً تلك التي تتحسَّر.. نحسُّ بمرارتها علقماً في حلوقنا.. وقد رحل (واهب الفرح الأخضر).. الذي أغنانا وأثرى خلايانا.. رحل فقيراً..!! يشكو هجران الأحبَّة وإهمال الدولة.. أعطى ولم يستبق شيئاً.. فما وجد شيئاً..!! إلا بعض العرفان من عارفي جماله..!! مات العندليب وحيداً.. بعيداً عن الأرض التي سقاها.. رحل حزيناً إلى درجة (إعادة النظر) في من أكلوه فناً ورموه حطاماً..ولسان حاله يصرخ: (الليل حزين دمعاتي صامتة تبللو.. ممتد طويل ماليهو حد فاقد نهايتو واولو)..!! ربَّما - سيدي - قصدت أن نعيد نحن النظر في حالنا.. في زمن مائل إلى أسفل..!! زمن ما عادت الأذن فيه ذات الأذن.. إذ شقَّ (التلوث) إليها طريقاً.. فما عاد الكلم الطيب يجدي (فناً).. وكلَّما (هبط) المغني (ارتفع) صيته وأجره..!! مات زيدان.. والموت حق.. وما كان ليقدِّم في أجله أو يؤخِّر لو أنَّ الدولة بذلت الغالي والنفيس لإقالته من عثرته المرضيَّة.. ولو تسابق أصدقاؤه وعارفو (فنِّه) لرد الجميل.. لكنَّه كان سيرحل حينها (سعيداً).. يحسُّ بأنَّ ما غرسه من جمال في سنوات طوال.. ما راح هدراً.. لكنَّ هذا العرفان - يا للخجل - لم يأت إلا من فئة قليلة.. نفخر بأنَّنا في (الأهرام اليوم) منها.. من المؤثرات الفعالة للأمم فنَّها الراقي الذي يصير سفيرها في المحافل.. يفتح لها الأبواب المغلقة ويقدِّمها في أجمل وأرقى صورة.. ولا يضير (الدولة الحضاريَّة) أن ترعى الفن الراقي.. ولو فعلت حكومتنا الفتيَّة الذكيَّة.. لتواصل مد (الغناء الجميل).. وكلَّما رحل (زيدان) نهض آخر.. لكن نتيجةً للإهمال نبت (العُشر) مكان (الأزهار) التي تذبل..!! رحل زيدان.. وأرجو أن يخلو سرادق عزائه من (المتباكين).. المدَّعين المتنكرين.. وعزاؤنا - الذي لن يشفي جرحاً - نسوقه إلى (الناس الجميلين) الذين يسكن العندليب دواخلهم.. فقط..!! محطات قف تمهَّل ..! أيها المسافر دون وداع.. بين حنايانا قبس من ضوئك لن ينطفئ بلحد شمسك.. وزهور يظل صوتك يسقيها صباح مساء.. لكن في قوبنا حسرة الوداع الأخير الذي لم تتمهَّل فيه.. نسأل الله أن يسكنك فسيح جنَّاته.. وأن يغفر لك ولنا.. يا خوف فؤادي من غد! أيها الملك.. ليث ثمة (وليّ للعهد).. فمن تركتهم خلفك من الشباب لا يملكون ما يأسرون به دواخلنا (المحصَّنة) ضد تُرَّهاتهم التي يحسبونها فنَّاً.. وما هي إلا أعوام حتى يحكم أولئك البائسون قبضتهم بعد رحيل العمالقة.. نسأل الله أن لا نحضر ذلك الزمان..!! اتَّحد يا اتِّحاد أرجو أن يهتم اتحاد الفنانين أكثر برعاية المبدعين.. فهي مسؤوليته الأولى.. وليبتعد قادته عن الخلافات التي لا تنفع..!! آخر محطة في بعدك يا غالي .. أضناني الألم