أبى العام 2011م إلا أن يؤرِّق نوم أهل السودان في أحب ما لديهم، بل في إكسير حياتهم الذي لا يعرفون غيره «إكسيراً» فأصابهم في مبدعيهم واحداً تلو الآخر إن لم يكن بالرحيل الُمر فبالداء العُضال والسهر والحُمى. فقد رحل فيه مطرب الأحاسيس والمشاعر الدفاقة العندليب الأسمر زيدان إبراهيم بعد أن تبللت صدور عشاق السودان وشيوخه بالدموع الحانية الراثية الصادقة لمطرب قلّ أن تجود به بلاد وتنعم به أرض ويشدو بتغريده إنسان. وداهم المرض فيه ما تبقى من رموز الغناء والموسيقى فقد نال من صلاح بن البادية، محمد الأمين، محمود وردي، د. عبد الماجد الخليفة، ندى القلعة والآن يستعد المطرب إسماعيل حسب الدائم لمعاودة طبيبه الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية للمرة الثالثة بعد أن أفرغ جوفه وسحب غشاء معدته في مرة سابقة مع أوجاع جروح السكر والقرحة في أكثر من موضع. أهو عام الحزن والألم للذين عاشوا ومازالوا من أجل أن يشعر المواطن السوداني بالسعادة عبر أغنياتهم التي تهب الحياة رونقها، أم أن «عيناً» أصابتنا في مبدعينا الرواد الذين نمسك بهم إرثنا الثقافي الفني ونحن ننظر خلفنا فلا نجد إلا شباباً على أصابع اليد الواحدة وحدهم الماضون على طريق الكبار الشاق، وما تبقى من الشباب تفرّقت بهم السُّبل وحملهم سيل التجديد «الهلامي» إلى مدارك لا نعلم ولا يعلمون عنها شيئاً، فقط سوى لقب «فنان» الذي حملوه بعد أن عجزت كل الألقاب والمسميات عن الالتصاق بهم تماشياً مع العرف لا اتقاناً للصنعة أو إدهاشاً ل«مخاليق الله» في السودان وسائر البلدان. مضى زيدان إلى غير رجعة والكثير من الرواد انزووا بعيداً فأدمن أهل السودان الاجترار بعد أن يبست حقول الإبداع وتوقف مطر الألحان وكسى الجفاف الفني وجوه الشيب والشباب وعلا (نهيق المغنواتية) مستلباً هدئة الليل في الخرطوم وكل عواصمالولايات والكل يتمنى أن تنتهي «حفلة عرس فلان» سريعاً «عشان نقدر ننوم» فما عاد منظر «صيوان» الفرح داخل الأحياء مُفرحاً بل هماً كؤوداً «يلخبط» حسابات الرأس الذي يبحث عن النوم وهو يدرك أن هذا «الساوند» الرباعي أن لم يصمت ويتفرق أهله فأنى له بالنوم!! لأنه يدرك أن الذي «يصيح» عبر ما يكرفونه ما هو إلا مسخ مشوّه لا علاقة له بالفن ولكن ديكور المناسبة لا يكتمل إلا به لأنه الأرخص في كل شيء. عفواً عام 2011م فقد كنت ومازلت أصعب عام شهدته بلادنا ويكفي أنك خطفت منا حادي العشاق الأوحد زيدان إبراهيم وشفى الله جميع أهل الطرب.