{ قرأت منذ يومين بهذه الصحيفة مقالاً رائعاً من حيث المفردة الخبرية المتدفقة، ومراحل بنيان المقال المرتبة، والمقال الذي جاء تحت عنوان (الحضور في دفتر الغياب) كان يتحدث عن المطرب الضخم الراحل التاج مصطفي، والذي أثار انتباهي في هذا المقال الذي حاول أن يترسم خطى الراحل الذي أفنى زهرة شبابه في رفد وتشكيل الحركة السودانية الغنائية، هو أن كاتب المقال حرص على أن ينتهي إلى شهادة سجلها الأخ الوزير السموأل خلف الله في هذا الحفل التأبيني، وهي أن الراحل التاج مصطفى، يرحمه الله رحمة واسعة، قد ظل يستأنس عند مرضه وقبل موته بكتابين اثنين، المصحف الشريف وكتاب الظلال للشهيد سيد قطب. { ومن جهة أخرى، ومنذ فترة قليلة بُعيد رحيل المطرب زيدان إبراهيم، يرحمه الله رحمة واسعة، قد احتفت الميديا الفنية أيما احتفاء على طريقة وجدتها وجدتها، قد احتفت بشهادة جيران الفقيد بحي الشقلة بالحاج يوسف، بأن الفقيد قد (بنى مسجداً) بهذا الحي، وبرغم كثافة الأعمال الفنية الغزيرة التي أنتجها الراحل زيدان، إلا أن الصحافة الفنية ظلت بعد الرحيل تبحث عن إنتاج من نوع آخر حتى عثرت على المسجد، كما لو أن الوسط الفني لا يطمئن على القول والدعاء (اللهم أرحم الفقيد بقدر ما قدم للوسط الفني). ولما عُثِر على أن في ماضي الفقيد مسجد تنفّس (هذا الوسط) الصعداء لدرجة التساؤل المقلق وهل كان هنالك شك في المجهودات والمجاهدات الغنائية التي تبذل في هذه الحياة الدنيا)؟، على أن الغناء لا يرحل إلى خانة العمل الصالح.. أنا هنا أتساءل ولا أعرف الإجابة! ومنذ فترة قليلة، وفي ذات السياق أيضاً، وبحضور الإمام الصادق المهدي، كان المطرب الشعبي الجقر، وهو مطرب ملتحي وملتزم بغنائية الشعب، كان الرجل وبحضور السيد الإمام والوزير السموأل خلف الله نفسه وآخرين، كان يقدم مقاربة فكرية وتأصيلية للغناء الشعبي، على أن الآباء المؤسسين لهذا الضرب كانوا من خريجي خلاوي القرآن الكريم، حيث طفقوا يعددون ويستدلون ببعض الجمل والمفردات الإسلامية التي وردت في تلك النصوص، وذلك مثل (أحرموني ولاتحرموني سنة الإسلام السلام) ونسأل الله الرحمة لنا ولهم ولكم جميعاً. { أيضاً ظل الوسط الفني تاريخياً يحتمي بتجربتين اثنتين كلما حمى وطيس الجدل الفكري عن (علاقة الفن بالدين)، تجربة المطرب صلاح ابن البادية الذي خرج وتخرّج من مسيد وخلاوي جده أبوقرون بشرق النيل، تلك الخلاوي التي طالما خرّجت أرتالاً من الحفظة وأجيالاً من الدعاة الواعظين، هي ذاتها التي خرج عنها المطرب صلاح بن البادية. والمدهش في هذه الجدلية أن صلاح نفسه لم يرفع اسمه الفني لآبائه الصالحين بأبي قرون، وظل يتوارى ويحتمي بالبادية (صلاح ابن البادية) وليس صلاح ابن المسيد. والتجربة الثانية هي تجربة المطرب الفقيد هاشم ميرغني، يرحمه الله رحمة واسعة، فهو الآخر قد خرج عن أسرة صوفية ملتزمة، فضلاً عن جدلية هل كل المديح أولاً أم الغناء، ومن أخذ لحنه وشرعيته ممن)! { يحكى في هذا السياق، أن المطرب الجهادي زين العابدين الذي أوقف تجربته الفنية على (تحريض المجاهدين) والأناشيد القيمية، كان في ذات يوم يدخل المسجد بعوده، فركزه على الشباك وذهب لأداء تحية المسجد، لما جاءه الإمام يسعى (يازول طلع الداهية من هنا)، فقال زين العابدين أود أن أدخل بعودي هذا الجنة) و.... { وللذين يقرأون بتطرف، أنا هنا لا أصدر حكماً شرعياً ولاينبغي لي، فرأيت أن الوسط الفني نفسه ينزع من فترة إلى أخرى إلى إصدار شهادة براءة دون أن يطالبه أحد، ولما كان هذا المقال يصدر بين يدي (مواسم الوزير الأخ السموأل) ذو الجذور الإخوانية، يبقى هو الأجدر بوضع بعض الترتيبات التي تؤهل الأغنية السودانية للجلوس بالمكتبة الإسلامية أو خروجها إلى غير رجعة! القضايا المسكوت عنها! { مخرج.. وقديماً قال الأخ حسين خوجلي ( الإسلاميون يقرأون جهراً لسيد قطب ويستمعون سراً لعبد الكريم الكابلي)! أو كما قال.