صحيفة (الأهرام اليوم) من جهتها قد نهضت بالعمل الصاح تجاه الفقيد المطرب زيدان إبراهيم، العمل الصاح في الزمن الصاح وهي تبتدر حملة هائلة لعلاجه، ثم تابعت عبر أطقمها ومكتبها بالقاهرة مراحل علاجه، ثم لما حدث «أمر الله» كانت في مقدمة المشيعيين والمصلين والمترحِّمين عليه. هذا هو الواجب الشرعي الذي يفترض أن يفعله المسلم تجاه أخيه المسلم، أن يعوده عند مرضه ثم يتبع جنازته ويشهد تشييعه ودفنه والصلاة عليه ليرجع بقيراطين من الأجر، القيراط الواحد مثل جبل أحد. وقبل أن أذهب بعيداً في بناء هذا المقال أُنشط ذاكرة السادة القراء إنني أشيد هذه الأفكار والرؤى على أرضية ومرجعية هذه الأمة السودانية، هذا الصوت صوت الشعب وهذا الشعب شعب مسلم، وللمسلم مرجعية يفترض أن يستمد منها شرعية حركاته وسكناته، والمعالجة بصيغة أخرى تهدينا إلى هذا السؤال المحوري، ما هو الواجب الشرعي الذي يفترض أن ننهض به تجاه الأحباب الذين نفتقدهم برحيلهم عن هذه الدنيا الفانية؟ وللذين يقرأون بتطرُّف أنا هنا أنطلق من منصة شفقة ورحمة على فقيدنا الراحل زيدان إبراهيم لطالما صحيفتنا قد قامت بواجبها المهني الخير من العلاج إلى التشييع إلى الصلاة خير قيام، فالشفقة ذاتها هي التي تقودني إلى طرح هذا التساؤل على منصة منبر الجمعة، ما هو أفضل عمل يمكن أن نقدمه لفقيدنا حتى يرتاح في قبره، خاصة وإذا سألنا كل محب للفقيد ماذا تتمنى للفقيد في قبره، فطبيعة الحال ستكون الإجابة «أن يرتاح في قبره» أن تتنزل عليه رحمة الله ومغفرته، وهذا السؤال بدوره يقودنا إلى سؤال آخر، ما هو أفضل عمل يمكن أن نقوم به لصالح راحة الفقيد في مرقده ليكون قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجعل الله سبحانه وتعالى الجنة متقلبه ومثواه وأن يحشره في زمرة «النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً»؟. والإجابة هي أن ندعوا له ونترحّم عليه وأن نستذكر محاسن أعماله، وذلك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أذكروا محاسن موتاكم»، فهل ما تقوم به الفضائيات هذه الأيام التي أعقبت رحيله هي محاسن أعماله، لقد ذهبت (الفضائيات السودانيات) بما فيها «فضائية المشروع والمشروعية» فضائيتنا الرسمية» ذهبن جميعاً في حالة غناء هستيري غزير ترداداً وتكراراً لأغاني الفقيد لدرجة التخمة والملل، فهل يا ترى سيصل الفقيد ثواب هذا «الهجيج والعجيج»، وهل نستطيع أن نقول «اللهم أرحم فقيدنا بقدر ما قدم من أغانٍ»! إذا كان بالإمكان من منظور شرعي أن ندعوا بهذا الدعاء ففي هذه الحالة علينا أن نذهب إلى تكرار المزيد من أغانيه حتى لتتزل عليه الرحمة وتغشاه السكينة والأمان، وأن كان ليس ذلك كذلك، فلنسلك طريقاً آخر يجلب لفقيدنا العزيز الرحمة والغفران. وبالمناسبة هذا السؤال في غاية الخطورة، فلئن كانت هذه الحالة الغنائية لا تريح مطربنا في قبره فلنقلع عنها في الحال، لنملأ فراغات شاشاتنا وأفكارنا بما يفيده، وهل في هذه الحالة يفترض أن يكتب المطرب، أي مطرب، في وصيته أرجو ألا تعذبوني بغنائي، بترداد الأغاني ولكن أرحموني وأطلبوا لي الرحمة بترداد الدعاء .. والله أعلم. اللهم أرحم زيدان رحمة واسعة وإن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته .. «إنا لله وإنا إليه راجعون».