{ الحراك الكثيف للنائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في العاصمة المصرية أجبر الطواقم الإعلامية على الهمس بالشكوى لبعضهم البعض من انعدام فرص الراحة، ففي محاولاتهم لتتبع خطاه أوّلاً بأوّل ورصد الفعاليات المتتالية، تكاد تنقضي ساعات اليوم بمجملها من مشرق الشمس إلى.. مشرقها. { سلسلة مقابلات طه أمس الأول تضمّنت لقاءه الحاشد مع المئات من أبناء الجالية، حيث ضجّت القاعة الكبرى بفندق (سونستا) بضاحية مدينة نصر بحضور سوداني غير مسبوق، فاق ال(1200) شخص، تبعاً لأرقام البطاقات الرسمية التي استطعنا رصدها، بخلاف أعداد أخرى تفاوتت طرق دخولها..!! { ربكة مرورية أصابت الطرق الرئيسية المؤدية إلى الفندق، ما جعل التساؤلات الملحّة تنطلق من أفواه مستخدمي طريق صلاح سالم والدروب المؤدية إلى (سونستا)؛ هل ثمّة مظاهرة قرب وزارة الدفاع التي تحتل حيّزاً جغرافياً مجاوراً؟ وسرعان ما يتبرّع أحد العابرين بالإجابة: لا.. ديَّه مظاهرات تانية علشان السودان وحبّ السودان. { والابتسامة ترتسم على محيّاه دلف طه.. الاستقبال الحافل هو ما بعث النشوة في أوصال الجميع فالجالية التي خفّت بكثافة بذلت حار الود واستقبلت زائرها بوافر الترحاب. { كلمات أبناء الجالية التي عبّروا من خلالها عن مساندتهم للوطن، استمع لها طه باهتمام وتركيز كبيرين. { ممثل الجالية في ثنايا حديثه أكّد على أن السودان لن يؤتى أبدا من أبنائه بالقاهرة، (ونحن قادرون على حماية بلادنا ونقف صفاً واحداً بجوار القائد ربان السفينة الرئيس عمر البشير)، مضيفاً بالقول: (لا نريد جنوباً آخر، ونطمع في تعاون مع دولة الجنوبالجديدة). { عطفاً على دعمه السخي بمبلغ مليون دولار لحل مشاكل الجالية بالقاهرة، فقد بذل ممثل الجالية الشكر للنائب الأول، قبل أن يضيف: (نحن خططنا مع السفارة لكيفية الاستفادة من هذا المبلغ، وقرّرنا بناء مقر يليق بالجالية السودانية لممارسة أنشطتنا الثقافية والاجتماعية، وجارٍ الآن التفكير في الوقوف على المشاكل وحلها). { ممثل حزب البعث القومي وأحد أبناء جنوب كردفان بالقاهرة عيسى حمدين جدّد بحضرة النائب الأوّل العهد والولاء للوطن والدفاع عن العقيدة ومحاربة العملاء، وأشاد بدور القوات المسلحة في دحر التمرد، مستنكراً بشدة ما قام به عبد العزيز الحلو ومالك عقار، قبل أن يتوجّه إليهما برسالته: نقول لهما إننا مع الحوار ونبذ العنف ولن نتهاون في الدفاع عن أرضنا وحقوقنا الشرعية. {{ على ألسنتهم: { أعضاء الوفد المرافق للنائب الأول اصطفوا وأصرّوا على إلقاء كلمات بسيطة ومقتضبة تفاعلاً مع الحضور: { وزير الصناعة الدكتور عوض الجاز: سعداء جداً بأن نرى أهلنا في مصر بخير وبهذه الروح العالية. { وزير الزراعة د. عبد الحليم المتعافي: نرحب بالجميع للاستفادة من خيرات الوادي. { وزير الثروة الحيوانية فيصل حسن إبراهيم: اطمأننا على أن اللحوم السودانية أصبح لها سوقان وليس سوقاً واحداً. { وزير التعاون الدولي الدكتور جلال الدقير: أنتم سفراء للسودان في هذا البلد، ونطمئنكم أن السودان بخير ولن ينال أحدٌ منّا أبداً، والسودان من رفعة إلى رفعة. { د. سيد الخطيب: أعبر عن سعادتي لمخاطبة هذا الحشد (قبل أن يلقي ملاحظته حول الثياب الموجودة في المحفل بصورة أكبر من العمم). { رئيس تحرير ألوان حسين خوجلى زيّن الجلسة بجزيل شعره الذي شنّف به مسامع الحضور. { السفير السوداني بالقاهرة كمال حسن علي: إن البعض ادّعى أن القاهرة تعجّ بالمعارضين، ولكنّكم اليوم تثبتون عكس ذلك، مصر دولة ذات خصوصية للسودان، والجالية في مصر أيضاً لها خصوصيتها، فأنتم ركيزة العلاقة بين البلدين، وبابي مفتوح للكل دون استثناء، ومن لم يأت إلى السفارة سنذهب إليه في مكانه. { ممثلو الجالية قدّموا وثيقة عهد ونصرة الوطن للنائب الأوّل وسط التهليل والتكبير وعلى وقع جميل النغم وبديع الرقص، الذي أحاطت جنبات لوحته زغاريد النساء. { في أجواء احتفائية عامرة بالمسرّات كان النائب الأوّل يوجّه السفير السوداني بالقاهرة كمال حسن علي بالوقوف على مشكلات الجالية ومتابعة حلّها مع الجهات المختصة بالخرطوم والمسؤولة بمصر، موضحاً أنه ناقش مع الجانب المصري موضوع الحريّات الأربع، وأنه وجد تفهماً والتزاماً ووعد بالتنفيذ قريباً، ووعد برعاية أوضاع الجالية حتى تستقر. { طه خاطب من طوّقوا عنقه بأكاليل الوفاء قائلاً: لمست استشعاركم الخطر ووعيكم بما يدور بالبلاد، وهذا هو جوهر الشخصية السودانية التي جعلت أهل السودان يستقوون على كل محاولات القهر. مشيراً إلى أن كثيراً من المتربّصين كانوا يظنون أن أوضاع السودان أولى بها أن تذهب تجاه الربيع العربي، ولكن ظل السودان شامخا موصولاً بأهله مؤيّداً من شعبه في الانتخابات. { لم ينس طه أن يشكر الجالية على بالغ الحفاوة، قبل أن يزفّها البشرى: (نعد بأن إنشاء دار تليق بكم ستكون خطوة أولى سوف تتلوها خطوات وخطوات لمعالجة أوضاعكم)، وزاد: (جئنا لنقف مع شعب مصر في هذا الوقت الحرج، كما جئنا لنفتح تعاوناً اقتصادياً وباباً للإبداع، وحوارنا معكم اليوم يختلف عن السابق من حيث الثقة والتطلع للمستقبل)، وختم بالقول: حفظ الله مصر وشعبها ورعاها بعنايته وبارك في ثورتها. { طه كان قد التقى أمس الأول المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، الذي أكد بعد اللقاء على أهمية العلاقات المصرية- السودانية التى تشهد تقدمًا ملحوظًا بعد الثورة، مشدِّدًا على أن مصر والسودان بلد واحد، وأمنهما الإستراتيجي واحد، وتقوية العلاقة بينهما تصبُّ في صالح البلدين، مشيداً خلال زيارة وفد من جماعة الإخوان المسلمين، بحضور نائب المرشد العام د.محمود عزت، والأمين العام للجماعة د.محمود حسين، لمقر إقامة النائب الأول بقصر العروبة بالخطوات السودانية لإنهاء الطريق البري، الذي سيربط بين مصر والسودان، مما يحفِّز التجارة البينية بين البلدين، فضلاً عن أهمية هذه العلاقة للأمن القومي العربي والإسلامي. { من جانبه، أكد علي عثمان لوفد (الإخوان) أن مصر دولة محوريّة، وأن العلاقات معها قوية ومتينة، وستزداد قوةً بعد ثورة 25 يناير التي كانت فاتحةَ خير على العلاقات المشتركة، مؤكدًا أن بلاده تتطلَّع إلى زيادة المعدلات الزراعية والتجارية وكل معدلات الاستثمار مع مصر. { وفي لقائه بوفد رجال الأعمال بالبلدين أكّد طه أن الإرادة السياسية التي تدفع العلاقات السودانية المصرية إلى مسار حقيقي وواقعي وعملي في مجالات التنمية الاقتصادية متوفّرة على أعلى مستوى وأكثر وضوحاً. { علي عثمان دعا إلى استكمال شبكة الربط سواء أكان عبر الطرق أم الكهرباء وفي كل بنيات الإنتاج الاقتصادي المطلوبة. كما دعا إلى توفير رأس المال وذلك بأن يعكف البنك المركزي لدى الطرفين ووزارتا المالية ورجال الأعمال على تكوين آلية لاستنهاض التمويل المتاح للبلدين، وعبر الصناديق العربية وكذلك الأطراف الأخرى التي يمكن أن تدخل في شراكة نافعة ذات ربحية للجميع، وقال إنه لا بد من توحيد المواصفات والنظر في مراجعة التشريعات وتهيئة وتوعية المواطنين في البلدين لحماية هذه الاستثمارات. { طه أكد كامل الجاهزية للدخول في استثمارات ذات جدوى وعائد مشترك لمصلحة الشعب الواحد في البلدين ولتنمية ودعم الاستقرار، معلناً أن وفداً من رجال الأعمال المصريين سيزور السودان الأسابيع المقبلة، وأن وفداً من البنك الأهلي سيصل الخرطوم نهاية الأسبوع المقبل لفتح فرع للبنك وتوفير اعتمادات ب (100) مليون دولار لرجال الأعمال المصريين. { طه في حوار مع التلفزيون المصري أكّد أن القاهرة وافقت على حرية التنقل وربما العمل للسودانيين. { النائب الأول لرئيس الجمهورية استقبل بمقر إقامته أيضاً الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح المحتمل للرئاسة المصرية عمرو موسى وتناول اللقاء العلاقات الثنائية والتطورات في السودان ومصر بالإضافة إلى التطورات على الساحة العربية والدولية. { في ختام فعاليات زيارة النائب الأوّل ووفده المرافق إلى القاهرة كان اللقاء مع الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، حيث وقفا فيه على الأوضاع بالبلاد، وبحثا أنشطة الجامعة في مواصلة التنمية في دارفور. { طه قفل راجعاً ووفده المرافق إلى الخرطوم أمس، وعلى الرغم من تحفظ مكتوم أبداه البعض حول توقيت الزيارة وجدواها في ظل الأوضاع الداخلية التي تشهدها مصر، إلا أنها جاءت على عكس التوقعات، وسط تفاؤل بأن ثمارها سرعان ما سيجنيها مواطنو البلدين. { يظل لقاء النائب الأول بالنخبة المصرية ولقاؤه بالجالية السودانية بالقاهرة في طليعة الفعاليات الناجحة خلال الزيارة؛ حيث أكّد لقاء النخبة على وقوف السودان وقلقه العميق على مصر، كما أثبت لقاء الجالية حب السودانيين الكبير للوطن والثقة الكبيرة في إدارته في وقت تعج فيه الشعوب العربية ضيقا من حكامها هذه الأيام.