من أبرز الشعارات التي رفعها الثوار في أكتوبر 1964م في الايام الأولى بعد سقوط نظام 17 نوفمبر العسكري الذي كان يرأسه الفريق إبراهيم عبود شعار: التطهير واجب وطني. ولقد تردد شعار التطهير واجب وطني كثيراً وأقحمه الشعراء في قصائدهم ومنها تلك القصيدة الجميلة التي غناها المطرب الكبير محمد عثمان وردي، وكان من أبياتها: وهتف الشعب من أعماقو التطهير واجب وطني ومن المؤسف أن الفنان وردي في ما بعد في فترة انخداعه بوطنية ووحدوية الحركة الشعبية وزعيمها الدكتور جون قرنق غنى النشيد الأكتوبري محرفاً وقال: هتف الشعب من أعماقو التحرير واجب وطني، وكانت إذاعة الحركة الشعبية تردده كثيراً وكتبنا في حينه في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي أنها أغنية مزورة ملفقة، فقد كان هتاف بعض ممثلي الشعب السوداني في أكتوبر 64 هو كما أسلفنا: وهتف الشعب من أعماقو التطهير واجب وطني. وكان الشعار الأكتوبري الوارد في الأغنية الوطنية أو السياسية التي صدح بها وردي تمجيداً واحتفاء بثورة أكتوبر 64 يعطي انطباعاً بأن نظام 17 نوفمبر 1958م كان مثقلاً بالفساد وقد كان هناك فساد نعم لكنه لم يرق قط إلى تلك الحالة التي تبرر إطلاق شعار التطهير واجب وطني، فقد كانت الخدمة المدنية بصفة عامة منضبطة وكان معيار التعيين فيها هو الكفاءة قبل أي اعتبار آخر، وبعد سقوط نظام نوفمبر في أكتوبر 1964م فإنه لم يحاكم أي من مسؤوليه الكبار بتهمة الفساد أو التربح باستغلال المنصب. وطبعاً من الصعب أن يخلو عهد من الفساد لكنه كان قليلاً جداً في عهد الفريق عبود قياسا إلى الفسادات التي ظهرت في العهود التي جاءت بعده . لقد سقط النظام وبعد فترة انتقالية قصيرة جاءت الأحزاب إلى الحكم، نفس الأحزاب ونفس الممارسات ونفس العجز عن ترجمة الاستقلال إلى مكاسب وإنجازات يحس بها المواطن البسيط، ومن هنا كان طبيعياً ومتوقعاً أن تسقط التجربة الديمقراطية للمرة الثانية بعد أربعة أعوام فقط بانقلاب عسكري تولى أمره صغار الضباط وليس كبارهم كما حدث في نوفمبر 1958م وكان القبول الشعبي بالانقلاب الجديد في مايو 69 واسعاً وكان تجسيده غير القابل للإنكار أو المكابرة موكب 2 يونيو 1969م حين خرجت العاصمة المثلثة عن بكرة أبيها لتحيي وتستقبل حكامها الجدد في ميدان عبد المنعم بالخرطوم، وخاطب الشعب يومها العقيد أركانحرب جعفر محمد نميري، رئيس مجلس قيادة الثورة، والأستاذ بابكر عوض الله، رئيس مجلس الوزراء، وكان هو مرشح اليسار في انتخابات رئاسة الجمهورية التي أجهضها الانقلاب المايوي وكان من قبل رئيساً للقضاء وكان رئيس مجلس النواب الأول الذي أعلن استقلال السودان من داخله منتصف خمسينيات القرن الماضي.