مات أنيس منصور أحد أشهر الكتاب الصحفيين في مصر والعالم العربي وهو ممن ارتفعوا بمستوى الكتابة الصحفية وقيمة ومكانة من يمتهنونها، فقد جاء إليها من قمة السلم الأكاديمي، إذ كان محاضراً بكلية الآداب في جامعة عين شمس بالقاهرة وكان يدرس الفلسفة وبعد أن احترف الكتابة الصحفية كان مما قيل عنه أنه أنزل الفلسفة إلى الشارع. وكان يحرر عموداً يومياً لم يحتجب يوماً واحداً على مدى نصف قرن وكان يكتبه في الأخبار ثم انتقل إلى الأهرام المصرية والشرق الأوسط السعودية وهو قارئ كبير ليس على مستوى الوطن العربي وحده وإنما على مستوى العالم وقد كانت القراءة حياته والكتابة أيضاً. وألف حوالى مائتي كتاب وكان كثير من هذه الكتب تجميعاً لما كان ينشره من مقالات وأعمدة في الصحف وكانت كتباً مفيدة ممتعة تعطي الإحساس بأن صاحبها قرأ كثيراً واستوعب ما قرأ قبل أن يكتب. ورأس أنيس منصور تحرير بعض المجلات المشهورة مثل آخر ساعة وأكتوبر لكنه لم يرأس تحرير جريدة يومية. وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر في سبتمبر 1970م أصبح أنيس منصور أحد أهم الكتاب الصحفيين المقربين القريبين من الرئيس أنور السادات وينسب إليه البعض صياغته لأحد الكتب التي ألفها السادات في فترة رئاسته التي انتهت بمصرعه نهار 6 أكتوبر 1981م. وبقلمه الساحر اجتهد أنيس منصور ليقنع المصريين والعرب بالاعتراف بإسرائيل وبضرورة التعايش الفلسطيني الإسرائيلي وتطبيع علاقة الشعب المصري مع إسرائيل وفي هذه الناحية فإنه لم يحقق نجاحاً يذكر فما زال الشعب المصري في أعمق أعماقه رافضاً للتطبيع مع الإسرائيليين وما زال يكرههم. لقد عاش أنيس منصور حياته بالنسق الذي اختاره أن يقرأ وأن يخدم نفسه وشعبه من خلال الكتابة وكان معظم عمره مبتعداً عن السلطة ودهاليزها ولم يقترب منها إلا في عهد الرئيس السادات وإن كان ثمة مكاسب حققها من هذا الاقتراب فإن خسارته كانت أكبر. وكنا نقرأ له منذ ستينات القرن الماضي وهو لذلك أحد أساتذتنا الكبار ثم لما شببنا عن الطوق، كما يقولون، صرنا نختلف معه وكنا أحياناً ننتقده لكن ذلك لم يمس أستاذيته الكتابية الصحفية المعترف بها في كل الوسط العربي القارئ. رحم الله الأستاذ أنيس منصور ابن محافظة الدقهلية التي قدمت لمصر والعالم العربي أم كلثوم وهيكل باشا وأحمد عبده الشرباصي وإلخ وسوف يبقى مكانه في الكتابة الصحفية العربية شاغراً لوقت نرجو ألا يطول.