في الوقت الذي كانت فيه وفاة الوزير السفير الكاتب الشاعر السعودي غازي القصيبي هي موضوع أعمدة كتاب «الشرق الأوسط» من أمثال عبدالرحمن الراشد وطارق الحميد ومأمون فندي وشبكشي وخالد القشطيني وسمير عطا الله في الأيام القليلة الماضية فإن أحد أبرز هؤلاء الكتاب وهو المصري أنيس منصور لم يكتب بعد عن الراحل السعودي المرموق. والأستاذ أنيس منصور هو أحد أغزر الكتاب الصحفيين العرب إنتاجاً، فقد ألّف أكثر من مائة وخمسين كتاباً، وأسلوبه من أجمل أساليب الكتابة العربية في العصر الحديث، وعموده «مواقف» أحد أشهر الأعمدة الصحفية في العالم العربي وربما أقدمها ولعله العمود الوحيد الذي لم يحتجب قط خلال أربعين عاماً. وأنيس منصور واحد من كبار القراء ليس في العالم العربي فحسب وإنما في كل الدنيا، وهو أصلاً أستاذ جامعي لكنه منذ خمسينيات القرن الماضي إستقال من الجامعة ليعمل كاتباً صحفياً. إذن فإن الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له. وقد رأس خلال مسيرته الطويلة المثمرة تحرير بعض المجلات منها «الجيل» وأسس ورأس تحرير مجلة «أكتوبر» في السبعينيات ومن أشهر كتبه «حول العالم في 200 يوم» و«في صالون العقاد كانت لنا أيام» وكان من تلاميذ العقاذ وممن يحضرون ندوته الشهيرة في منزله أو شقته بمصر الجديدة. وخلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي انتهى في سبتمبر 1970م كان أنيس بعيداً عن السياسة المحلية وعندما يكتب عنها فإنه كان يكتب مؤيداً وكان حذراً ولذلك فإنه لم يُعتقل قط في ذلك العهد الذي أُعتقل فيه كثير من الكتاب والصحفيين والمثقفين، ولم يتعرض عموده اليومي «مواقف» للإيقاف. لكنه إنتقد عبدالناصر بعد وفاته طبعاً، ثم اقترب من الرئيس السادات وقرّبه منه ونشأت بين الرجلين علاقة قوية لا تقل عن علاقة السادات بأصفيائه من أمثال المهندسين عثمان أحمد عثمان وسيد مرعي. ودخل أنيس منصور دائرة كتّاب الرئيس فقد كتب بعض خطبه واشترك مع آخرين في كتابة بعضها ومن هؤلاء الآخرين الصحفي موسى صبري والصحفي أحمد بهاء الدين والدكتور بطرس غالي الذي كان وزيراً في عهد السادات ثم أصبح أميناً عاماً للأمم المتحدة تسعينيات القرن المنصرم. وكان أنيس منصور ممن رافقوا الرئيس السادات في رحلته الشهيرة للقدس في نوفمبر 1977م تلك الرحلة التي زلزلت العالم من أقصاه الى أقصاه وكان عدد الذين شاهدوا وقائعها في التلفزيون أكثر من عدد الذين شاهدوا لحظة هبوط الانسان على سطح القمر عام 1969م. وكان أنيس منصور تلميذاً شاطراً.. الأول دائماً وكان هو أول مصر في الثانوية العامة «امتحان الدخول للجامعة»، وبعد.. لماذا شذّ أنيس منصور عن زملائه كتّاب الشرق الأوسط ولم يكتب حتى الآن عن غازي القصيبي؟!