جدار السرية المضروب على مفاوضات (الوطني) مع حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي (الأصل) بحثاً عن حكومة القاعدة العريضة، لم يمنع من خروج بعض التسريبات مفادها أنّ المفاوضات تراوح مكانها رغم مضي ثلاثة أشهر على انطلاقها، بل أن فشلاً ماحقاً في مسار التفاوض مع (الأمة) أسفر عن إيصاد بابه من قبل الأمّة الذي أعلن تمسكه بالأجندة الوطنية، بعد أن تم تشييع الحوار إلى مثواه الأخير، ما جعل الوطني يسارع خطاه ويعمل آلياته لمنع انهيار مفاوضاته مع الاتحادي الأصل. مباحثات (الوطني) و(الأصل) كانت قد تخطت مرحلة اللجان إلى عقد لقاءات بين رئيسي الحزبين؛ البشير والميرغني. (الوطني) أكّد على أن حواره مع الاتحادي الأصل لا يزال مستمراً، وبحسب الناطق الرسمي باسمه ياسر يوسف، فإن حوارهم مع الاتحادي مستمر في مجمل القضايا الوطنية المتفق عليها، مبدياً أمله في الوصول لنتائج إيجابية تؤدي لمشاركة الاتحادي في الحكومة. ونفى ياسر تقديم حزبه لأي اشتراطات للاتحادي بشأن موقف قيادييه؛ علي محمود حسنين والتوم هجو. { الاتحادي هو الآخر أكد أن حوارهم مع المؤتمر الوطني مستمر ولم يتوقف، وبحسب عضو لجنة التفاوض مع المؤتمر الوطني، عثمان عمر الشريف في إفادته ل«الأهرام اليوم» فإنهم قدموا عدداً من المقترحات للمؤتمر الوطني، تتضمن رؤية جديدة بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة القوى السياسية فيها، ابتداء من رئاسة الجمهورية حتى أصغر المناصب في الدولة، قائمة على برنامج وطني محدد يستهدف مشاكل البلاد، مثل الدستور وإنهاء النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وإحداث تنمية حقيقية ومتوازنة في كل أنحاء السودان وخطة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تهدد السودان بانهيار اقتصادي ووضع معالجة لمشكلات الفقر والبطالة، واصفاً برنامج حزبه بأنه برنامج أزمة، بجانب اقتراحهم بتكوين مجلس رئاسي تشارك فيه كل القوى السياسية لإدارة الأزمات التي تواجه السودان ووضع حلول لها. { عثمان أضاف أنهم تلقوا رداً من المؤتمر الوطني وهو في طور الدراسة والتمحيص أمام لجنة الحوار، مشيراً إلى وجود بعض الغموض في الردّ الذي تسلمته لجنتهم، بالحديث عن اشتراكهم كحزب في مجلس الوزراء دون أن توضيح كيفيّة هذه المشاركة ومستوياتها ومدى فاعليتها، وأيضاً عرض المؤتمر الوطني عليهم تكوين حكومة بمشاركة القوى السياسية، غير أنه، أي المؤتمر الوطني، لم يفصح عن طبيعة هذه الحكومة؛ هل هي (وحدة وطنية) أم (ذات القاعدة العريضة) التي يتحدث عنها، ودون أن يفصح - الوطني - عن أطراف هذه الحكومة؛ هل هي من الأحزاب ذات الثقل الجماهيري، وذات برامج وخطط وقضايا تسعى لمعالجتها؟ أم هي أحزاب التوالي؟! مضيفاً أنهم في الحزب الاتحادي يتمسكون بمعرفة شركائهم في تحمل المسؤولية الوطنية في هذا الظرف الحرج. { وأبدى عثمان عمر استغرابه مما رشح من أخبار في الصحف حول موافقة حزبه على الاشتراك في التشكيل الوزاري المنتظر إعلانه، وقال إنها أخبار عارية من الصحة جملة وتفصيلاً، ووصفها بأنها نوع من التدليس السياسي الذي يهدف لخلق «بلبلة» وسط قواعد الحزب، وزاد أن الحديث عن المشاركة بهذه الصورة يحوي نوعاً من استعجال النتائج، مبيناً أن رؤيتهم الوطنية غير مرهونة بالاشتراك في الحكومة من عدمه وأن مشاركتهم إن تمت فستكون فاعلة في كل القرارات التي تهم المواطن، بداية من رئاسة الجمهورية وحتى أصغر محلية. { وبالعودة إلى كواليس المفاوضات التي كانت جارية على المحورين؛ الأمة والاتحادي، والتي كان يديرها المؤتمر الوطني متزامنة مع بعضها في أماكن منفصلة كشفت مصادر رفيعة ل(الأهرام اليوم) أن المطالب التي قدمها حزب الأمة للمؤتمر الوطني وجرى حولها التفاوض كانت ذات طابع سياسي ولم تركز على توزيع المناصب وهذا ما خلق الإشكالية وسارع بانهيار مفاوضاته مع المؤتمر الوطني الذي كان أكثر حرصاً على مشاركة حزب الأمة القومي من حرصه على مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي، فالأخير - بحسب المصادر - اتجهت غالبية مطالبه باتجاه المشاركة في السلطة والتركيز على المناصب، رغم أنها تضمّنت بعض المطالب السياسية التي لم تكن بدرجة التعقيد الذي تضمنته مطالب حزب الأمة والتي اشترط فيها العودة لتقسيم السودان ل«6» وحدات سياسية «أقاليم» بدلاً من «15» وحدة سياسية «نظام الولايات» الحالي، مع صياغة دستور جديد تجيزه جمعية تأسيسية منتخبة من كل الأحزاب وعدم إجازته بالبرلمان الحالي الذي يمثله حزبه المؤتمر الوطني لوحده. { شروط حزب الأمة تضمنت كذلك - بحسب المصادر - أن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية بطريقة شخصية على المسلمين فقط وليس بصورة جماعية، وأن يتم الفصل بين السلطات في الدولة وخاصة القضائية، وكذلك الفصل بين الدولة والحزب لأن هناك تداخلاً وتمازجاً تم خلال العشرين سنة الماضية بين المؤتمر الوطني والدولة، على أن تكون الدولة ملكاً للشعب السوداني وليس المؤتمر الوطني، بجانب إصرار الأمة على تكوين حكومة قومية انتقالية ببرنامج محدد، لكن لم تتم استجابة لهذه الشروط، حسب المصادر «التي فضلت حجبها» ليعلن حزب الأمة تراجعه عن المفاوضات وتمسكه بأجندته الوطنية. { من جهته - وحول انسحاب حزب الأمة من المفاوضات واستمرارها متعثرة مع الحزب الاتحادي الديمقراطي - يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. الطيب زين العابدين الذي استنطقته (الأهرام اليوم) أنه ليس من عادة المؤتمر الوطني في تشكيل الحكومات السابقة أن ينتظر الآخرين وهم يملون عليه شروطهم، كان دائماً لديه حكومة بديلة يعلنها بمجرد إحساسه بعدم موافقة الأحزاب الأخرى، لكن هذه المرة يبدو أنه جاد في مشاركة الأحزاب الأخرى لأن التركة ثقيلة عليه؛ حرب وأزمة اقتصادية، كل هذا يجعله يبحث عن شركاء ليحملوا معه هذا العبء «يشيلو معه الشيلة». ويواصل بالقول: لكن هؤلاء الآخرين لا يشتركون وفق رؤية المؤتمر الوطني وإنما لهم شروطهم. { ويبقى السؤال الذي يوحي به الجو العام السائد الآن بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة وارتباطها بنتائج المفاوضات الجارية مع الاتحادي وبعد انهيارها مع الأمة بما يعيد للأذهان مشهد ما كان يجري من مفاوضات على أيام الديمقراطية الثالثة بين السيدين الميرغني والمهدي عقب انهيار الحكومات الائتلافية والتي لم تنجح في الوصول للاستقرار، ما فتح المجال لقبول الشعب السوداني لانقلاب الإنقاذ، والسؤال هنا: هل انتقلت ذات العدوى للمؤتمر الوطني؟ ولماذا يصر المؤتمر الوطني على الحصة التي منحها للاتحادي في الحكومة بعد انسحاب الأمة ورفضه المشاركة؟ وهذا ما يجعل الطريق سالكاً لزيادة حصة الاتحادي الأصل عطفاً على ما كان مقرراً لحزب الأمة إن كان يبتغي إنهاء الجدل، ولا سيما بعد أن تكشف أن الخلاف لربما مثلت الحصص عقبة كأداء في دربه..!! { في السياق ينظر البعض إلى أن موجة الرفض التي غمرت جنبات مسجد السيد علي الميرغني في ذكراه تبدو غير ذات تأثير في مسار الحزب وموقفه من المشاركة على اعتبار أن مولانا محمد عثمان الميرغني هو الممسك بتصاريف الأمور داخل الحزب وإن اقتنع بما هو مطروح من قبل (الوطني)، فمن السهل بعدها إقناع القيادات والجماهير. { تبقى إشارة لا بدّ منها وهي أن تعدّد مسارات التفاوض والوسطاء تعد على الدوام من التكتيكات الباتعة التي يتبعها مولانا الميرغني في نهجه التفاوضي، الذي عرك دروب السياسة وعركته، وهذا ما يجعل الأبواب مواربة، ومفتوحة على كل الاحتمالات..!!