(هذا المكان قد أصبح لك الآن أكثر مما هو لي) - جزء من رواية (الجنرال في المتاهة) للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز- يرتكز مليون سؤال طارئ على رأس الصحفي حالما تتم دعوته إلى مؤتمر صحفي متعلق بالثقافة أو بالسياسة، لكن حينما تقدم الدعوة من اتجاه سفارة فإن التحفظات الحذرة تجعل الإجابات لا تغطي تكلفة السؤال ولا تشرح لك سبب تشنجك على كرسي انتظار حقائق المؤتمر الصحفي. ونهار الثلاثاء مشينا على العشب الأخضر المتقاطع بمربعات أسمنتية لم تخف جمال الممشى في منزل السفير الأسباني بشارع النيل الجميل، تتقدمنا أمنية أن نسمع ما يخرج لنا خبرا جاذبا ومادة مختلفة. واختلفنا أو اتفقنا حول تشكيلات العلاقة الثقافية بين السودان وأي بلد آخر، تبقى لنا فائدة احترام التبادل المعرفي بين الثقافتين، بما ينتج أعمالاً شائقة وممتعة إلى حدٍ أعمق مما هو عليه السياسي والدبلوماسي، ربما لهذا علاقتنا مع المراكز الفرنسي والألماني والبريطاني في ما تقوم به من نشاطات وأجواء ثقافية ذات هواء نقي إلى حد ما، أحلى بكثير من علاقاتنا الدبلوماسية مع ذات تلك البلدان! وهذا ما تدق على وتره السفارة الأسبانية باتخاذها مكاناً محايداً هو منزل السفير الأسباني لتنطلق منه الأعمال الثقافية المخضرّة كالمشاركة السابقة في مهرجان الخرطوم الدولي للموسيقى العاشر (بلانكا التالبي وشوتشي الكوالدرادو). وحتى الإعلان عن العمل المسرحي (الزفاف الدامي أو عرس الدم) للكاتب والشاعر الأسباني الكبير (فريدريكوغارسيا لوركا) وتنفيذ جماعة مسرح السودان الواحد. الوحدة الفنية التي تجمع الثقافات على لغة واحدة جعلت تنفيذ عمل كمسرحية (الزفاف الدامي) مهمة سهلة على جماعة مسرح السودان الواحد، فرغم أنها كتبت منذ زمن بعيد - 1932- إلا أن عبقرية الأدب تجعله صالحا لكل زمان ومكان. يقول الملحق الثقافي للسفارة الأسبانية (خافيير أبيزو): هناك سيدة أخبرتني بأن قصة المسرحية، المبنية على أحداث واقعية، قد حدثت في السودان وليس أسبانيا! وسعادتي أننا استطعنا أن نأتي بلوركا إلى الخرطوم! في محاولة لخلط الثقافتين الأسبانية والسودانية. وتعقيب مخرج العرض (عبد المنعم محمد/ شو) أن (لوركا) قد جاء قبل سنوات بعروض مختلفة ودراسات تحليلية لمسرحياته وشعره. وأضاف أنهم كمجموعة قد شرعوا منذ شهر مضى في بروفات مكثفة لإخراج العرض بشكل يليق بالقصة وبالفكرة التي بها قامت المجموعة المعتمدة على تقديم شكل مسرحي مختلف للتبصير بقضايا الناس وتقديم الوعي - استيضاح المسرح التجاري - كما إنهم يقومون بعمل دراسات تحليلية لكل عرض يشرعون فيه لكي يكون العمل المسرحي متكاملا. اكتمال مراسم زفاف (لوركا) الدامي، سيكون مساء اليوم بخشبة مسرح الفنون الشعبية في أم درمان، ليصبح الزمان ملكاً لجماعة المسرح الواحد كمنفذين للعرض بشكل مسرحي متكامل - أداء ورقصا وموسيقى وسنوغرافيا. والمكان ملك ل (لوركا) وقصته الملهمة - غير الشعرية - أكثر مما هو لنا! لذا سنبتاع مناديل من نجوم سماء الليلة كي ما نجعلها وشاحاً يلف علاقة ثقافية نرجو أن تكون متقاطعة بعشبها الأخضر أكثر من البلاط الأسمنتي للعلاقات الدبلوماسية بين السودان وأسبانيا.