قارن كثيرون بين النهاية المأساوية المهينة غير المسبوقة التي إنتهاها الرئيس الليبي معمر القذافي وبين نهاية نميري رئيساً وأسباب المقارنة كثيرة منها أنهما وصلا الى الحكم في عام واحد وكانت الوسيلة واحدة هي الإنقلاب العسكري وكان الإثنان يحملان إعجاباً كبيراً بالرئيس المصري عبدالناصر الضابط الذي قبلهما قاد ونفذ إنقلاباً عسكرياً ناجحاً ثم أصبح رئيساً محبوباً وزعيماً للأمة العربية ورجل دولة يشار اليه بالبنان في العالم كله. وبعد فترة قصيرة جداً استمرت فيها العلاقات طيبة بين الرئيسين الشابين نميري والقذافي إنقلب الوضع وساءت العلاقات بينهما وبلغ السوء نهاياته القصوى. وكان القذافي فاجراً في الخصومة وكانت أجهزة إعلامه تسيء إلى الرئيس نميري يومياً تقريباً، وعندما أُطيح بنميري في أبريل 1985م كان فرح القذافي هستيرياً وجاء إلى الخرطوم وخطب منتشياً. ثم أُطيح بالقذافي هذا العام، لكن نهايتي الرئيسين كانت مختلفة، فبينما غادر القذافي الحكم والحياة بتلك الطريقة المأساوية المهينة غير المسبوقة كان الوضع مختلفاً في حالة نميري فقد علم بالإطاحة به وهو في الجو في طريقه إلى القاهرة قادماً من أمريكا، وفي مطار القاهرة صمم على العودة إلى بلده ومنعوه، فاُضطر إلى البقاء في مصر وعاش بها أربعة عشر عاماً معززاً مكرماً وكان يلتقي بأبناء شعبه كثيراً وكانوا يتبادلون التقدير والمحبة والاحترام. ثم عاد في مايو 1999م إلى الوطن، واستقبله الشعب العظيم، وكانت الحكومة السودانية بقيادة الرئيس البشير تعرف أقدار أبنائها الكبار فعاملت الرئيس نميري المعاملة الممتازة التي يستحقها، وبقي في البلد يصول ويجول في حياة الناس الاجتماعية، وظل بيته في ودنوباوي مفتوحاً للجميع، ثم لما مات في مايو 2009م حمل جثمانه إلى القصر الجمهوري ثم في موكب عسكري مهيب إلى مثواه الأخير بمقابر أحمد شرفي بأم درمان مروراً بشارع ود البصير بودنوباوي، حيث المولد والأهل والعشيرة والأصحاب. ولم يكن الوداع الأخير عسكرياً فقط لكنه كان شعبياً اشترك فيه الشيوخ والشباب والأطفال والنساء وحرصت النساء ربما لأول مرة في تاريخ (البكيات) السودانية على مرافقة الجثمان حتى المقابر وصُليّ عليه في إستاد ودنوباوي. لقد بكاه الجميع وكان الحزن صادقاً وحقيقياً ومعبراً عن المكانة السامقة التي يضع فيها الشعب العظيم ابنه البطل. شتان ما بين النهايتين، نهاية معمر القذافي، ونهاية جعفر نميري ولم يحدث ذلك مصادفة أو اعتباطاً، وإنما هو قرار اتخذه الشعبان الليبي والسوداني، أن يغادر القذافي الدنيا بتلك الطريقة المهينة المذلة غير المسبوقة وأن يغادرها جعفر نميري بتلك الطريقة المهيبة المحترمة الجليلة وسط بكاء الشعب والمارشات العسكرية. وفي النهايتين كثير من الدروس والعبر ومنها أن الشعوب تسامح حكامها في كثير من الأخطاء، ومما لا تسامح فيه أبداً الإساءة إليها والبذاءة في حقها وسرقة المال العام وهذا ما فعله وأكثر منه معمر القذافي، وهو ما لم يخطر قط ببال جعفر نميري.