} اجتذاب العين لرؤية روائح مختلفة عمّا تعودته دائماً، وتذوق طعم جديد ومنعش يجدد فيها رغبة النظر مرتين، مهمة يسيرة إذا أوكلت للدراما، إذ يمكنها أن تبدع في نقل كل ذاك، بحرفية تفاصيلها دقيقة، تشابه التركيبات الكيميائية من القصة وترتيب السيناريو واختيار الممثلين المناسبين للشخوص والفنيات من كاميرا وإضاءة وصوت وديكور وأزياء... الخ، والإخراج في إطار مميز للصورة الأخيرة للجذب، حيث يمكن أن ينقل إلى أنفك رائحة الخوف في أفلام الرعب! والربع المأخوذ من نصف الاهتمام بالدراما المحلية كجزء من كل الفنون الأخرى، لم يشفع لأن يكون سبباً في اتخاذ الدولة خطوة متميزة تجاه فك عقدها المتلخصة في الإنتاج، ولم يمنح رأس المال الوطني الشجاعة الكافية لأن يدخل في صناعة الدراما باعتبارها واحدا من المنتجات الصناعية المربحة على مستوى العالم، ولم يمنع كذلك الدراميين المهمومين بها أن يقوموا بخطوات تتسع وتضيق بحسب ذات اليد الإنتاجية وذات السوق الشرائية - المقتصرة الآن على قناة الشروق - لإنتاج أعمال متجددة أو جديدة تمثل وحدها الحراك في ساكن المشهد الدرامي، كما فيلم (روح الأعياد) المعروض سهرة على قناة الشروق الخميس الماضي من إخراج المخرج الشاب (أبو بكر الشيخ) وقصة وسيناريو (قصي السماني) وتمثيل نخبة متميزة من الفنانين، وقد تم تصوير كل مشاهده في فرنسا بذات أرضها! } والإرضاء الدرامي يتحقق بشكل مختلف من فرد إلى آخر، فما يعجبك يمكن أن يكون هو ما يزعجني! لكن على مستوى (روح الأعياد) كفيلم، فإن الفكرة الملهمة حول ماهية العيد بالنسبة للسودانيين في بلاد الغربة، الأوربية تحديداً، والسيناريو المفصّل بعناية للشخوص الأكثر تغرباً - نموذج التشكيلي والعاطل والزوجة المرافقة... الخ - بجانب الأداء التمثيلي الذي لا جدال حول حرفيته، يجعل من الفيلم دراما مرضية ومتوافقة مع زمان العرض ومكان القصد. ورغم تفاصيل المفسدات الأخرى، من الأزياء وعدم موافقة تصميمها وألوانها وخاماتها لمغترب في دولة أوربية، والمكياج المعتمد على المكياج الداخلي للممثل، أكثر من الشخصية التي يمثلها، ومواقع التصوير المختصرة في أماكن عامة وبشكل أكثر دقة، الحديقة العامة، وغرفة فندق - ربما لتكلفة الإنتاج - رغم ضرورة وجود موقع لمنزل للزوجين في النص، إلى تفصيلة اللوحة (المشخبطة) - الزهرة والمئذنة - وما يمكن أن تحمله من وجهة نظر سلبية تجاه الفن التشكيلي حتى ولو كانت شخصية الرسام في الفيلم ترمز إلى عدم موهبته! إلا أنها تبقيه في إطار المحتمل من المزعج في المنتج الدرامي، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار قلة الإنتاج وسوء التوزيع! ويبقى القاسم المشترك الأجمل بين كل ذاك، الشجاعة التي جعلت رحلة فنية يقوم بها مجموعة من المسرح الوطني البقعة، لعرض (مسرحية جواز سفر)، في أوروبا، أن تتحول إلى رحلة لإخراج العواطف المكبوتة للمهاجرين السودانيين في فيلم لم ينج من الوقوع في منتصف المسافة بين التسجيلي والروائي. روايتي النقدية قد تبدو مجروحة، مع ذلك، حيث أن يدي متورطتان بروح فانيليا الدراما حتى الرسغين ك(أبناء السبيل) فيها! لكن مجرد فتحهم شهية العين بمشاهدة أمكنة وشخصيات مختلفة تضاف إلى قصصنا السودانية ذات الخصوصية الجميلة - أعتقد - يمنحني الحق المكتفي من فعل التغيير باللسان والقلب، قولاً، أن تكون الدراما غاية الاهتمام الفني، بوسائل من القائمين والعاملين عليها وأبناء السبيل، وبالضرورة المؤلفة جيوبهم!