السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة حكايات سودانية.. ملاحظات أولية
نشر في شبكة الشروق يوم 26 - 08 - 2012

على عكس ما يرى البعض، نقول إن الدراما التلفزيونية السودانية جاءت بداياتها في مطلع الستينيات متزامنة مع التجربتين المصرية والسورية، وذلك عندما بدأ التلفزيون القومي في بدايات العام 1963م إنتاج دراما سودانية معتمداً على خبرتي المسرح والدراما الإذاعية السودانيتين.
وهذا إن دلَّ على شيء إنما يدل على أن الذهن الذي خطط للتلفزيون السوداني آنذاك كان يدرك أهمية هذا النمط من الفنون وعبر هذه المسيرة الطويلة التي تراوحت بين الانقطاع والاستمرار لأسباب لا نرى ضرورة ذكرها هنا، استطاعت الدراما التلفزيونية السودانية أن تترك أثراً لا يستهان به لدى المشاهد السوداني عبر ما قدّمته من مسلسلات وتمثيليات سهرة وأفلام تلفزيونية وسلسلات درامية وبرامج درامية مختلفة.
ولعل هذا ما جعلها تشكِّل سؤالاً مقلقاً عند صناع القرار وعند منتجيها من كتاب ومخرجين وممثلين وفنيين وإداريين على السواء، وهي أي الدارما التلفزيونية وعبر مسيرتها هذه استطاعت خاصة في السنوات من 1995م- 2001، أن تتوسَّع في الإنتاج والموضوعات، وذلك عندما أتاحت الفرصة للإنتاج الخاص عبر الشركات وعبر الفرق والمجموعات الدرامية.
وهو ما شكّل من وجهة نظرنا التراكم الذي أبقى على السؤال المقلق حول مصيرها وحول أن تكون هي البنية التحتية لأي محاولة استئناف لعودتها من جديد في التلفزيون القومي أو في أي جهة أخرى.
سلسلة حكايات سودانية
استناداً على المقدِّمة سالفة الذكر، نقول إن سلسلة "حكايات سودانية" التي تنتجها قناة "الشروق" السودانية الفتية والتي بدأ إنتاجها في العام 2008 والتي جاءت في سياق المحاولات المستمرة للإجابة على سؤال: ضرورة أن يكون لنا دراما سودانية وهل هناك حاجة للدراما السودانية؟- لم تنشأ من فراغ، وإنما نهضت على الإرث الذي شكلته الدراما السودانية والمتمثل في الخبرات المتنوعة بقوتها وضعفها سواء في الكتابة أو الإخراج أو التمثيل أو الفنيات أو طرائق إدارة الإنتاج مع ضرورة الإشارة إلى أن تجربة الحكايات استوعبت كلَّ هذا الإرث وبأبعاده المختلفة واستطاعت أن تختط مساراً جديداً يلمسه الناظر في هذه التجربة بعمق، وهو ما سنفصله في الفقرات القادمة.
موقع تجربة الحكايات
نقصد بموقع تجربة الحكايات، ما تشكله هذه التجربة في السياق الكلي لتجربة الدراما السوداينة، أي ما الذي حدانا أن نعتبرها شكلت مساراً جديداً ومختلفاً في سياق التجربة الكلية للدراما التلفزيونية السودانية؟
؛؛؛
قناة الشروق الوليدة اختلفت عن التلفزيون القومي في اختيارها للسلسلة الدرامية، فاختيار شكل السلسلة في حدِّ ذاته يشير بشكل ما إلى الوعي بملابسات التجربة السابقة
؛؛؛
قناة الشروق الوليدة اختلفت عن التلفزيون القومي في اختيارها للسلسلة الدرامية، فاختيار شكل السلسلة في حدِّ ذاته يشير بشكل ما إلى الوعي بملابسات التجربة السابقة
وهنا نقول إن قناة الشروق الوليدة وهي تلج مجال الدراما التلفزيونية اختلفت عن التلفزيون القومي بداية في اختيارها للسلسلة الدرامية، بينما التلفزيون القومي عبر مسيرته تحرَّك في مختلف أشكال الدراما التلفزيونية، وهنا نجد أن اختيار شكل السلسلة في حدِّ ذاته يشير بشكل ما إلى الوعي بملابسات التجربة السابقة، فقد ثبت أن أكثر ما نجحت فيه التجربة السابقة هو السلسلة، بمعنى أن تجربة الدارما التلفزيونية السودانية كشفت أن قدرات العاملين فيها قد حققت إنجازات كثيرة في السلسلة مقارنة على سبيل المثال بتجربة المسلسل أو تمثيليات السهرة.
وهذا ربما يعود إلى الفرص الأكبر المتاحة في السيطرة على السلسلة في مستويات الكتابة والتمثيل والإخراج، فالسلسلة وبحسب أن كلَّ حلقة فيها قائمة بذاتها في الموضوع وربما في الممثلين، وهو أمر يمكِّن من التطور واستدراك الأخطاء هنا وهناك على عكس المسلسل فموضوعه واحد والممثلون فيه هم نفس الممثلين.
كما إن السلسلة وتحديداً سلسلة "حكايات سودانية" التي نكتب عنها يمكن أن يكون لها هدف كلي أي مشروع فني وفكري تسعى لتحقيقه، وهذا بالضبط ما نلمسه فيها، فوفقاً لما شاهدنا نجدها تنطلق من مشروع فكري يتمثل في المضامين التي تسعى لطرحها والتي لا تخرج مجتمعة عن الهدف التنموي بالمفهوم الأشمل للتنمية.
فسلسلة الحكايات طرحت موضوعات ذات صلة بالكشف عن التنوع في السودان وضرورة احترامه، فهي بهذا المعنى تحاول أن تثير قضايا تتعلَّق بأسباب الاختلاف والنزاع في مجتمع متنوع كالسودان بحثاً عن المشترك في الكشف عن أسباب الحروب والنزاعات والتي تستبطن في نفس الوقت مقومات الوحدة والسلام والتي لا تقوم وفقاً لما قدمته السلسلة إلا بالتنمية التي تعني احترام الحقوق والاختلاف والأعمار، الذي يشمل الصحة والتعليم والخدمات.
صلة السلسلة بالأسئلة
الهدف الفكري للسلسلة أو المشروع الذي سعت لتحقيقه، ارتبط بهدف فني هو الاشتغال على مكونات العرض بداية بالنص مروراً بالتمثيل والتصوير والإضاءة والصوت والمونتاج، انتهاء بالإخراج الذي يقوم على الرؤية التي تدير كلّ هذا.
وهنا يتحدد موقع الحكايات كاجتراح مختلف في المسيرة الكلية للدراما التلفزيونية السودانية، فقبل الحكايات لم تعرف الدراما التلفزيونية السودانية ما يمكن أن نسميه ب(توظيف) الدراما لتحقيق هدف أو أهداف بعينها، وبالتالي، لم تعرف توظيف صناع الدراما من كتاب وغيرهم في مسار بعينه.
؛؛؛
صناع الدراما كانوا هم من يحددون مسار الدراما وليس الجهة المنتجة، ما أتاح -ولأول مرة ربما- للعاملين في هذه التجربة أن يقفوا وجهاً لوجه أمام تجاربهم
؛؛؛
فقد جرت العادة أن يكتب الكُتاب ما يريدون، بمعنى أن صناع الدراما كانوا هم من يحددون مسار الدراما وليس الجهة المنتجة، هذا التحديد أو وجود المشروع المحدد والمرتبط باختيار شكل السلسلة أتاح -ولأول مرة- ربما للعاملين في هذه التجربة أن يقفوا وجهاً لوجه أمام تجاربهم كلٌّ من موقعه.
فالكتاب مثلاً أُتيح لهم أن يختبروا تجاربهم في الكتابة، فهم بداية مطالبون بالكتابة في موضوع بعينه مع ملاحظة أنه موضوع ذو حساسية خاصة بسبب صلته بالأسئلة الساخنة في السودان على المستويين السياسي والثقافي في سياق سؤال وضعية التنمية في السودان.
وهم مطالبون كذلك، وفقاً لتجربة الحكايات، بالتعبير عن أهداف محددة ومكتوبة لهم، وهم قبل ذلك مطالبون بكتابة ملخص عن الحلقة التي يريدون كتابتها، وبعد هذا كله هم معرضون لتقييم دقيق للنص لا يقف عند المستوى الفني للتناول فقط، وإنما يمتد للموضوع نفسه.
هذه التجربة في التعامل مع الكاتب -من وجهة نظري- شكَّلت إضافة لتجربة الكتابة عندما وضعت الكاتب الدارمي أمام أفق جديد وجعلته يستشعر خطورة الكتابة في دراما التلفزيون، ولعل هذا ما منح تجربة الحكايات اختلافاً في هذا العنصر، وجعلنا بالفعل نستشعر هذه الإضافات وهذا الاختلاف في الكتابة على المستوى الفني والفكري، خاصة عند الكاتب قصي السماني صاحب القدح المعلى في تأليف هذه الحكايات، مقارنة بما كتبه قبل هذه التجربة.
أما الاختلاف الثاني، الذي يتحدد به موقع تجربة الحكايات في سياق التجربة الكلية للدارما التلفزيونية السودانية، فقد تمثل في الإخراج. وأعني هنا تحديداً الاختبار الذي أتيح للمخرج أبوبكر الشيخ (المخرج الأساس) للسلسلة، حيث إنه أخرج حوالى 64 حكاية من مجمل الحكايات البالغ عددها 80 حكاية.
البعد المهني والنفسي
إذا نظرنا إلى تجربة (أبوبكر) المحدودة في إخراج بعض الأعمال القصيرة قبل تجربة الحكايات، نجدها –الحكايات- تمثل له اختباراً من حيث أنه أولاً: عمل "مخرجاً منفذاً" مع المخرج السوري "عروة محمد" الذي كان أول من أخرج السلسلة (عدد 15حكاية)، وهذا بالطبع يعد اختباراً صعباً.
فمما يؤسف له أن تجربتنا الدرامية لم تعرف هذا التقليد كثيراً، فمعظم مخرجينا جلسوا مباشرة على (دسك) الإخراج، فالاختبار هنا يأخذ بعداً مهنياً ونفسياً.
؛؛؛
الخبرة السورية بالضرورة تحمل تقاليد مختلفة في العمل، بحكم ما أنجزته، وكمثال على ذلك الكيفية التي يدار بها موقع التصوير
؛؛؛
مهنياً، لأن أبوبكر في السياق العام له تجارب في الإخراج التلفزيوني، فقد سبق أن أخرج كما أشرنا، فكونه يقبل أن يعمل مخرجاً منفذاً فهذا اختبار لمهنيته، ولكنه وعاه وأفاد منه كثيراً عبر موضعته لتجربته ووضعها في سياقها السليم.
ونفسياً، تمثل -أي الاختبار- في أن أبوبكر ارتضى هذا الوضع وهو (المختص والنجم) في سياق عام يقلل من وضعية المخرج المنفذ ويقلل من أهمية التدريب والتعلم، ويقلل من أهمية التدرج في الوظائف الفنية بل في سياق لم يكن مرحباً بالمخرج السوري، دعك من العمل معه.
ولكن أبوبكر تغلّب على كلِّ هذا، ليتضح فيما بعد له وللآخرين أن تجربة المخرج المنفد ومع خبرة غير سودانية كانت ضرورية له لأنها -من وجهة نظري- هي ما منحته اختلافه الذي لمسناه في تجربة الحكايات.
أما الاختبار الأهم على الإطلاق، فتجسد لحظة أن وجد أبوبكر نفسه بعد أن أسند إليه إخراج السلسة محاطاً بخبرة مختلفة في صناعة العرض التلفزيوني، تمثلت أولاً في الخبرة السورية (كوادر في الإضاءة والصوت).
وهذه الخبرة بالضرورة تحمل تقاليد مختلفة في العمل، بحكم ما أنجزته التجربة السورية من تراكم، وكمثال على ذلك الكيفية التي يدار بها موقع التصوير، وكذلك طبيعة العلاقة مع المخرج ومهمة أي وظيفة وحدودها، وكذلك في عملية إدارة الوقت.
وتجسد ثانياً، في المعدات المستخدمة في صناعة العرض، فيما يتصل بأجهزة الإضاءة وأجهزة الصوت وملحقات الكاميرا من كرين وشاريو وعواكس ولمبات وكشافات.
وتجسد ثالثاً، في مهن صناعة العرض الدرامي التلفزيوني، أي فريق العمل ومهام كل مهنة بداية من الريجسير، مروراً بمدير التصوير إلى مهندس صوت إلى فريق التصوير إلى فريق عمل الإخراج انتهاء بفريق الإنتاج.
هذا الفريق الذي وصل عدده في تجربة الحكايات إلى (24 شخصاً ممثلين لكل وظائف صناعة العرض الدرامي).
؛؛؛
المخرج أبوبكر حاز على تجربة مختلفة مكنته وستمكنه في المستقبل من أن يشكِّل إضافة حقيقية في تجربة الإخراج في الدراما التلفزيونية السودانية
؛؛؛
إضافة حقيقية
والاختبار هنا هو أن يجد أبوبكر نفسه مواجهاً ومدعوماً بكل هذه الخبرات وبكل هذه المعدات وبكل أولئك المساعدين ليكتشف أن للمخرج مهاماً غير التي ألفها في سياق التجربة السودانية العامة، وأن له معينات تقنية وبشرية لم يكن الكثير منها متوافراً في سياق التجربة السودانية العامة، ليكتشف أن مهمته بل "محكه" أن يعمل على إدارة كل هذا، ومعنياً بتكوين الصورة وبطرائق أداء الممثلين وبحركة الكاميرا وبالإضاءة، ومعنياً كذلك بتفعيل كل هذه الكوادر وكل هذه الوسائط، وهذا اشتغال لم يألفه في تجربته في السياق العام للدراما السودانية.
فوضع المخرج أبوبكر هنا شبيه بوضع الكاتب الذي أشرنا له لأنه يقوم بإخراج دراما ذات أهداف معينة، وكل شيء فيها محسوب وكل احتياج لها متوفر، وهذا ما يحفزني أن أقول وبلا أدنى تردد إن المخرج أبوبكر قد حاز على تجربة مختلفة خاضها بمسؤولية وجدية مكنته وستمكنه في المستقبل من أن يشكل إضافة حقيقية ومختلفة في تجربة الإخراج في الدراما التلفزيونية السودانية.
وقد تبدى هذا أولاً في اختيار الممثلين لكل حلقة، فهو اختيار نلمس فيه التوازن كما نلمس فيه القدرة على إدارتهم وشحذ إمكاناتهم، وتبدى ثانياً فيما يمكن أن نسميه بصناعة المكان كما في حلقات (طاحونة الموت وبيوت الحنين وشجرة عبدالمحمود على سبيل المثال).
دلالة المكان
المكان في هذه الحلقات عبَّر وبجدارة عن المناخ العام للأحداث وعن الفكرة الكلية للحلقة عبر اشتباك ما هو طبيعي بما هو صناعي، وما هو حديث بما هو قديم، وما هو ريفي بما هو مدني، وما هو أهلي بما هو حكومي، وما هو ثقافي بما هو سياسي.. في شكل المباني، وفي الطعام وفي سبل كسب العيش وفي الأسلحة وفي وسائل النقل وفي الكهرباء وفي الفوانيس وفي الأزياء... ألخ.
؛؛؛
المكان في سلسلة "حكايات سودانية" زاوج بين الجمالي ذي الإيحاءات السياحية، وبين الثقافة المعمارية السائدة لدى الأهالي
؛؛؛
وتبدى ثالثاً في تقنية الصورة من حيث النقاء والدلالات، فأكثر ما يميّز هذه السلسلة هو جماليات الصورة والتي لعب فيها المكان دوراً حيوياً، فقد زاوج في هذه السلسلة بين الجمالي ذي الإيحاءات السياحية التي تكشف عن غنى السودان وتنوعه في ألوان الناس، وفي ثقافاتهم وفي عمارتهم والإيحاءات التي يمنحها المكان للإشارة للوضع الاجتماعي أو للثقافة المعمارية السائدة.
أما الاختلاف الثالث الذي يتحدد به موقع تجربة الحكايات في سياق التجربة الكلية للدراما التلفزيونية السودانية، فهو ما يمكن أن نسميه بموقع الممثل في العرض، وأول ما نلاحظه هنا اختفاء النبرة المسرحية في الأداء، ولعل سبب هذا هو التزام الممثل بالنص المكتوب.
فمن مشاكل الدراما السودانية المزمنة: الارتجال ونطق الممثلين لحوار لم يكتبه المؤلف ولم يبن عليه المخرج استراتيجيته في بناء عرضه، ونلاحظ كذلك وضع الممثل في الدور الذي يناسبه حتى وإن كان مشهداً واحداً، ففي الكثير من تجاربنا يمكن أن نجد ممثلاً جيداً في دور لا يناسبه، ويكون من نتائج هذا اختلال الصورة المشهدية عند المقارنة بين أداء الممثل والشخصية التي يمثلها.
ولعل هذا ما يعنيه المشاهد السوداني عندما يقول إن الممثل السوداني "متكلف" "أي تغيب عنه "التلقائية".
دور مناسب
ولعل أكبر ما يقف شاهداً هنا على ما قلت من وجود الممثل المناسب في الدور المناسب في هذه السلسلة، هو ما قام به الممثل حسبو محمد عبدالله، عندما أدى دوراً في واحدة من حلقات السلسلة، فقد استطاع هذا الممثل الكبير بوجوده في الدور المناسب وبأدائه المتميِّز وعلى الرغم من قصر الدور، أن يجسِّد روح العرض ويمنحه جماله ومعناه.
أما الاختلاف الرابع، الذي يتحدد به موقع تجربة الحكايات في سياق التجربة الكلية للدراما السودانية، فيتمثّل في أن ميزانية هذه السلسلة تعد من أكبر الميزانيات التي رصدت لإنتاج نمط درامي محدد ووحيد، هو السلسلة.
؛؛؛
ميزانية السلسلة تعد من أكبر الميزانيات التي رصدت لإنتاج نمط درامي
؛؛؛
وهذا في حدِّ ذاته دليل آخر على اختلاف هذه التجربة في سياق تجربة السلسلات في الدراما السودانية، حيث لم يسبق أن رصدت الدراما السودانية مبلغاً كهذا لسلسلة درامية ولا حتى لسلسلة متاعب.
خاتمة
أشير هنا إلى أن هذه السلسلة إضافة لما قدمته من مفاهيم ومتعة، وما أضافته من خبرات نوعية في وسائل وطرائق صناعة العرض الدرامي التلفزيوني، قد حافظت على جذوة الدراما السودانية التي أريد لها أن تخفت مشتعلة.
وإضافة لما قدمته من فرص نوعية للكتاب والممثلين وفي بقية وظائف العمل الدرامي، فقد أسهمت هذه التجربة في تدريب الكثيرين في هذه الوظائف، أما ما يحسب لها الآن فهي أنها تمثل الشاهد الوحيد على وجودنا درامياً في هذا الفضاء الشاسع.
وأخيراً، أقول يكفي هذه السلسلة أنها قدَّمت للدراما السودانية كاتباً هو قصي السماني ومخرجاً هو أبوبكر الشيخ، كما إنها ساعدت وستساعد بمرور الأيام في وجود المنتج المحترف من خلال المجهودات التي يقوم بها الممثل جمال عبدالرحمن، منتج هذه السلسلة ومساعدوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.