{ تستيقظ الجماهير كل يوم على واقع جديد أشد فداحة. فالاسواق تبلغ (مرحلة الجنون)، مرحلة اللامعقول، فالسوق كل يوم هو في شأن، فالاسعار لا تخضع إلى عقل ولا منطق ولا أخلاق، فالسلعة التي قابعة في رفها تتحرك أسعارها وهي ثابتة في مكانها، فكلما تحرك الدولار الأمريكي تحركت الأسعار، وأحياناً كثيرة لا ينتظرالتجار حركة الدولار ليحركوا أسعار سلعهم. والذين ينتظرون رشد السوق وأخلاقه سينتظرون طويلاً! { ولكن الذي أشد مرارة من هذا كله هو شعور المواطن بأن الحكومة لا تشاطره هذه الأحزان، فالحكومة في وادٍ آخر، وهذا لا يبتدعه أو يدعيه (صاحب الملاذات) وإنما تقول به أجندة الحكومة ومينشتاتها اليومية، والقصة الحكومية كلها تدور الآن حول (تشكيل الحكومات) وإقامة المؤتمرات التنشيطية والدورات، وانتظار الحزب الاتحادي (الأصل) ليركب في قطار الحكومة الذي سينطلق إلى المجهول في ظل انعدام التوازن الاقتصادي، المواطنون يهرعون في الصباح إلى أجندة السوق التي تفرض واقعها الأليم وترسم خارطة طريقهم المستحيلة، والحزب الحاكم بكل مستوياته يخرج من دائرة إقالة حكومة ليدخل في دوائر تشكيلة حكومة جديدة! { يا أيتها الحكومة.. ويا أيها المؤتمر.. أصدقكم القول أن قضايا مشاركة (الاتحادي الأصل) أو نسخه المتعددة.. أو تخلف حزب الأمة.. أو انعقاد المؤتمرات التنشيطية.. ليست هذه مما يشغل الناس.. ليست هذه هي قضايا الجماهير.. اتساع الحكومة أو ضيقها.. عرضها طولها قصرها.. كل ذلك لا يعنينا في شيء ولا يلامس مشاعرنا ولا يخاطب أشواقنا، ولو أن الحكومة تمتلك بعض حكمة وبعض رشد وكياسة لذهبت في عمليات (طحين) حتى لو لم يفض هذا الطحين إلى (عجين)، فعلى الأقل أن المواطن يمكن أن يتماسك ببعض الطمأنينة بأن هنالك (ماكنات تطحن)، على أن القصة كلها تكمن في الخبز ولا شيء غير الخبز، وقديماً قال الشيخ العبيد ود بدر (أكان ما عجيني منو البجيني؟!)، وأن هذه الأصوات والجماهير التي صنعتموها بليل الأسى ومر الذكريات يمكن أن تذهب في (رمشة عين) من حيث أتت، فلئن كانت الإنقاذ تراهن على شرعية (إقامة الدين) فأول فروض وفرضيات الدين تتمحور حول (قيمة الأمن الغذائى)، كما ينص القرآن الكريم (الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، «فحلم الجيعان عيش»، ووزن الحكومة في علاقة طردية مع وزن الخبز، فكلما تناقص وزن الخبز تناقصت أوزان الحكومة الجماهيرية، فيخف وزن الحكومة إلى درجة الاستخفاف إذا هي استخفت بأوزان الخبز! { أكتب ذلك وأنا مدرك لأبعاد كل المسوغات، الأزمة المالية العالمية، انفصال نفط الجنوب، تخلف الخريف هذا الموسم، لكنه بالإمكان صناعة وضع أحسن مما كان.. كيف! { أولاً وقف كل عمليات التنمية والبناء وتحويل كل الاحتياطات إلى مقابلة توفير الضروريات، فلا تطربنا صناعة جسر بعشرات الملايين من الدولارات ونحن لا نمتلك ثمن كيس خبز. { إدارة الدولة (بوكلاء الوزارات) من المهنيين والتكنوقراط، ولئن كانت الحكومة لا محالة ذاهبة في تعيين الوزراء والمستشارين فلا تستجلب لهم الجديد من الأثاث والمكاتب والسيارات وأن تقلص مخصصاتهم ورواتبهم. { أن تتقشف الحكومة ورموزها وكوادرها وأن يمشوا مع الناس في الأسواق، وأن تكون (أجندة المرحلة) حول (قفة الملاح)، أن يشعر المواطن بأن الحكومة تعيش أزماته الخانقة.. ولنا عودة بإذن الله تعالى