رغم موجة الغلاء القاسية التي تجتاح الكثير من السلع والمنتجات بالسودان إلا أنّ فترة ما بعد الأضحى شهدت انخفاضاً بائناً في سعر الفراخ بعد ارتفاع غير مبرر خلال شهور الصيف وصل معه سعر الكيلو في بعض المحلات ما يقارب 19 - 20 جنيهاً. ويرى كثير من المهتمين بخصوص الدواجن أن ارتفاع مدخلات صناعة الفراخ إضافة إلى مشاكل الاستيراد كانت السبب المباشر وراء عدم استقرار الأسعار في الآونة الأخيرة.. أسعار بيع الفراخ من قبل الشركات والمحلات التجارية ومنافذ البيع تتفاوت هذه الأيام، حيث يتراوح سعر الكيلو ما بين (12) و(15) جنيها، وهو سعر يراه العارفون أعلى أيضاً من السعر الحقيقي حال ما خلصت النوايا وتخلت الحكومة عن بعض جشعها الذي تمارسه ضد المنتجين وكذا تخلص التجار من ذات الآفة. { «الأهرام اليوم» دلفت إلى عوالم صناعة الفراخ في السودان، وجلست إلى عدد من أهل الشأن والاختصاص لمناقشة هموم وإشكالات العملية الإنتاجية وطرحت بين يدي المهتمين حلم المواطن القديم؛ الوفرة والأسعار (المعقولة)، ما دام البحث عن (الرخاء) ودولة (الرفاه) ما زال مدرجاً في مخيلة المسؤولين ضمن بنود (الترف الفكري)..!! { بالنسبة لأمين غرفة الدواجن د. مرتضى كمال فإن العرض في الفترة الحالية أكثر من الطلب، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظره بحكم (الشتاء) وهو موسم إنتاج الفراخ خاصة للمزارع المفتوحة. انخفاض الأسعار كما يراه د. مرتضى أمرا ضارا بالنسبة للمنتجين، خاصة الصغار منهم لأن تكلفة الإنتاج عالية ومعظمهم من الخريجين، مضيفاً أن الوفرة ربما تسبب أزمة بسبب الخسائر التي تقع على هؤلاء، مبيناً أن الشركات الكبيرة لديها إمكانيات أكبر للتخزين في حالة عدم قوّة الطلب والشراء، بجانب امتلاكها لرأس المال الأكبر. { كمال لخّص الخسائر المنتظرة لصغار المنتجين عبر عملية استقراء سريعة لارتفاع أسعار العلف - الذي وصل إلى (125) جنيهاً للجوال - مع الارتفاع الذي صاحب الذرة من مناطق الإنتاج، لافتاً إلى دور الغرفة في حماية صناعة المنتجين. { أما المدير الإداري التجاري للشركة العربية لإنتاج وتصنيع الدواجن أبو القاسم عبدالرحمن فقد مضى في ذات الخط التحليلي للدكتور كمال، معزّزاً رؤيته بالنظرية الاقتصادية المعروفة حول العرض والطلب.. في الشتاء - بحسب أبو القاسم - يزداد إنتاج المزارع، مما يؤدي بأصحاب المشاريع الصغيرة إلى طرح إنتاجهم بكميات كبيرة يكثر معها العرض، وبالتالي تنخفض الأسعار. وأضاف بأن المسألة موسمية بحتة، وعرج على أن أسعار الفراخ شأنها شأن أية سلعة موسمية.. يقل الإنتاج في الصيف ويتوقف نشاط المزارع الصغيرة مما يؤدي إلى الزيادة في الطلب التي بدورها تؤدي إلى زيادة الأسعار. { أبو القاسم دعا إلى ضرورة وضع ضوابط تحكم أداء السوق، محذراً من أنّ غيابها يجعلنا أمام خيارين؛ إما وفرة تضر المنتج، أو ندرة تقود إلى قلة الإنتاج، وحينها يقع الضرر على المستهلك..!! عازياً المسألة برمتها إلى عدم وجود الأداة التسويقية للتحكم في قوى العرض والطلب في السودان. { عبد الرحمن مضى بالقول إلى أن هذا الوضع يحتّم قيام شركات تسويقية متخصصة ذات كفاءة عالية، كونها - حال قيامها - قد تحدث بعض (التعادل) بين نقيضي العرض والطلب، بتثبيت السعر لصالح المنتج والمستهلك معاً. { أما الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير فمن وجهة نظره أنه - وللأسف الشديد - السودان أحياناً لا يعتمد على (العرض والطلب) ممّا يؤدي إلى عدم الموازنة، ووجّه نظرنا صوب ارتفاع غير مبرر لأسعار لحوم الفراخ في فترة رمضان والعيد - وصل فيها سعر الكيلو إلى 20 جنيهاً - معتبراً إياه استغلالاً من قبل التجار في ذاك الوقت، كما استدل بعملية المقاطعة للحوم التي انخفضت جراءها أسعار الفراخ إلى 18 جنيهاً وأقل، مضيفاً بالقول: أيضاً عندما أعلنت ولاية الخرطوم استيراد دواجن سعرها للبيع 15 جنيهاً أو أقل.. كل هذا يؤكد أن الزيادة كانت بدون وجه حق، مبرّراً الأمر بأن المنتجين قد شعروا بخطورة الاستيراد مما دفعهم أن يتماشوا في السوق. الناير وصف المسلك بالطبيعي واعتبر أن ما حدث في رمضان كان بمثابة لحظة الغياب من الدولة ومن قبل المستهلك. { أما عن معوّقات صناعة الفراخ فيرى محدثنا - الناير - أن الدولة ينبغي عليها أن تضطلع بمهام تسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج بأسعار مناسبة، وأن ترعى هذه الصناعة، وتشكل حماية داخلية لها من الرسوم والضرائب. { الدواجن في السودان - من وجهة نظر الناير - يمكن أن تباع بأسعار تتراوح بين 6-7 جنيهات لا غير إذا تم توفير المدخلات، مشيراً إلى أن السودان لديه مقومات كبيرة لإنتاج الدواجن أكبر من دول أخرى بالجوار أسعار الفراخ فيها في متناول الجميع. وأوضح أنه لابد من ضرورة انخفاض الأسعار من قبل المنتجين والشركات وأن لا يغفلوا يقظة الدولة والمستهلك فهم لديهم أسلحة قوية قابلة للاستخدام؛ المستهلك يمكن أن يقاطع الفراخ والدولة بإمكانها فتح باب الاستيراد بإعفاءات كي تكون منتجات الدواجن في متناول كل المواطنين السودانيين. { وفي السياق يرى د. إبراهيم عباس، من جمعية حماية المستهلك أن أسعار الفراخ يجب أن تنخفض أكثر من 12 جنيهاً للكيلو - على حسب ما سعّرها والي الخرطوم ما بين (8-9) جنيهات - كون المدخلات مدعومة من الدولة ولا اختلاف في الجودة حسب ما تقول شركات الدواجن. عباس أكد مقاطعة الفراخ والدواجن حال حدوث الارتفاع وقال نحن نوّاب الشعب المستهلك الذي يدفع فاتورة المدخلات. { في السياق تؤكد الدكتور نوال عبدالله من الجمعية العالمية لعلوم الدواجن على وجود مشاكل في مدخلات صناعة الدواجن في السودان من بينها تحويل العملة والدولار، إضافة إلى ذلك تبين أن التسويق لا يزال تقليدياً وليست لدينا في السودان إمكانيات تخزين مكتملة. كما أشارت إلى ضعف الإنتاج الذي يفترض أن يكون أقوى من ذلك وأوضحت أن مشاكل التسويق تشمل التخزين وتكاليف الكهرباء والسعر للمنتج، ودعت لفتح أسواق خارجية وتسهيل مدخلات الإنتاج. { وعن الاستيراد تقول نوال إنه مصيبة وإذا فتح الباب سيجلب كارثة على صناعة الدواجن في السودان نسبة لغياب الكثير من إمكانيات الضمان، من بينها الفحص على اللحوم وجودتها وغيرها. { من جانبهم أكد عدد من المواطنين ل«الأهرام اليوم» أنه بعد انخفاض أسعار الفراخ - التي تبدو معقولة لحدّ ما - إلا أن كثيرين منهم بوصلة السوق لديهم لم تتجه تلقاءه، قد يكون السبب سياسات تقشف إجبارية يتبعها هؤلاء البسطاء الذين ذاقوا الأمرين جراء زيادات مضطردة في معظم السلع الاستهلاكية، مبينين أنهم ما زالوا ينتظرون طحين جعجعة الذين منّوهم من قبل ب(أن الفراخ سيكون طعام الفقراء في السودان)..!!