في خطابه عام 1970م باستاد الخرطوم ركز الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر على ضرورة أن يتمسك السودانيون بالوحدة الوطنية وكان يعرف أن التركيبة السودانية أو الكيان السوداني محتاج إلى وقت طويل ليزداد تماسكه ويبقى مؤهلاً للاستمرار شعباً واحداً وبلداً واحداً. وكان معه في الاستاد الذي اكتظ بالجماهير الرئيسان الشابان اللواء أركان حرب جعفر محمد نميري رئيس مجلسي قيادة الثورة والوزراء والعقيد معمر القذافي رئيس مجلس قيادة الثورة في ليبيا. وكان عبدالناصر رئيساً مؤمناً بالوحدة العربية لكنه بعد التجربة الوحدوية الفاشلة التي خاضها مع السوريين في فبراير 58 وانتهت في سبتمبر 1961م أصبح يؤثر التروي قبل الدخول في أية وحدة جديدة فأي فشل آخر سوف يؤثر سلباً على الفكرة؛ فكرة الوحدة العربية، التي استهوت كثيراً من الشبان والمثقفين في مختلف أرجاء العالم العربي بل إنها كانت أحد أهم شعارات حزب لعب أخطر الأدوار في السياسة العربية المعاصرة ووصل إلى الحكم في دولتين عربيتين كبيرتين هما سوريا والعراق وهو حزب البعث العربي الاشتراكي. ولقد خاض العقيد معمر القذافي كثيراً من التجارب الوحدوية الفاشلة وكان بعضها مضحكاً. وكان المايويون والذين حكموا السودان قبلهم وأولئك الذين حكموه بعدهم أكثر حكمة ومعرفة بواقع بلدهم المحتاج قبل أي شيء آخر إلى تعزيز الوحدة الوطنية ومراعاة الخصوصية السودانية. ولذلك فإن كل النظم التي حكمت منذ الاستقلال لم تدخل في أية تجربة وحدوية، سواء مع دولة عربية أو أفريقية، لكنها في نفس الوقت لم تفعل كل الذي كان ينبغي أن تفعله لاستمرار وحدة الوطن وجعله جاذباً لكل مكوناته. إن الوحدة الوطنية لا تعني إلغاء الأحزاب ولا تعني إجبار كل الأعراق على الذوبان في عرق واحد ولا كل اللغات على الذهاب إلى الماضي الغابر لصالح لغة واحدة، فمن الممكن وجود وحدة وطنية راسخة مع وجود أكثر من لغة في الوطن الواحد وأكثر من عرق أيضاً. ونسلم بالوضع الخاص الذي تلقاه اللغة العربية في السودان وبالذات بعد انفصال الجنوب ولم تنتشر هذه اللغة بالقوة لكنها انتشرت برضا واقتناع غير الناطقين بها وهي قابلة للانتشار أكثر وأكثر ومن المطلوبات للمزيد من انتشارها الذي هو في صالح تكريس الوحدة الوطنية أن يساعدنا العرب الأقحاح إن كان في السودان عرب أقحاح بالكف عن استفزاز مكونات الشعب الأخرى كما حدث منذ فترة عندما سخر البعض من الرطانات ومن الذين يرطنون. إن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والألمان واليابانيين والصينيين يرطنون وهم الآن سادة العالم وأقوياؤه وكل هذا الذي نستفيد ونستمتع به من منجزات العصر ثمرة من ثمرات عقولهم والاختراعات العظيمة في كافة المجالات في العصر الحديث تم اختراعها بالرطانة وليس باللغة العربية التي هى لغة جميلة عريقة عالمية لكن أهلها الآن في مؤخرة الركب.