يعتبر الدكتور حسن عبدالله الترابي «رجل الثورات السودانية» الأشهر في تاريخنا الحديث، وربما لا تنتطح عنزتان بأن دكتور الترابي هو صاحب القدح المعلى في صناعة ثورة أكتوبر السودانية. فعلى إثر ندوة شهيرة له بجامعة الخرطوم نهضت الثورة الأكتوبرية. غير أنه «رجل الانتفاضة» الشهيرة التي أطاحت بحكم جعفر نميري بامتياز، فلقد خرج يومها دكتور الترابي من شراكته مع الجنرال جعفر نميري، خرج من القصر إلى السجن فانهارت آخر قوة كانت تساند مايو، فكانت الانتفاضة التي خرج على إثرها الإسلاميون من السجن محمولين على أعناق الجماهير، ثم ذهب الرجل الترابي إلى «صناعة ثورة حزبية حديثة»، وذلك عبر أطروحة حزب «الجبهة الإسلامية القومية» التي تمكنت من انتزاع كل دوائر الخريجين والقوى الحديثة، كما أنها ذهبت تنافس «الأحزاب القديمة» في عقر دوائرها التاريخية، غير أن الجبهة الإسلامية كانت بمثابة «المواد الخام» لصناعة ثورة الإنقاذ في ما بعد، والدكتور حسن عبدالله الترابي هو الذي يمتلك «حق اقتراع» أطروحة الإنقاذ، وهو ذاته الذي جمع «المجلس الأربعيني» لحزب الجبهة الإسلامية بعد نجاح ثورته ثم أعطى كل منهم مصحفاً وطلب الانصراف بهدوء، بمعنى آخر هو الذي أغرق «حزب الجبهة» بعد أن عبر بها إلى ضفة الإنقاذ. والذي يعرف شيخ حسن، الذي تخصص في صناعة الثورات، ربما يدرك أنه لن يخلد طويلاً إلى «إنقاذه» التي صنعها بليل الأسى ومر الذكريات، فلم يلبث حتى انقلب عليها، أو انقلبت عليه لا أدري، المهم قد ذهبنا مع رجل الثورات إلى «محطة المفاصلة»، والآن شيخ حسن في مرحلة «تحضيراته الثورية»، فلقد جلس طويلاً في هذه المحطة، محطة المؤتمر الشعبي، فعلى الأقل أن عقداً من الزمان قد مر على صناعة ما سمي بالمفاصلة. لم يكن شيخ حسن في هذه الأيام مشغولاً بممارسة «مستحبات وواجبات الثورة» ولكنه قد بلغ «مرحلة الفريضة»، مرحلة الطرق بقوة، فآخر خطابات «مفجر الثورات» السودانية هي دعوته منذ أيام في دورة انعقاد مؤتمره الشعبي «للقيام بفرضية الثورة»، الثورة الفريضة، والفريضة في تعريفها القدسي هي واجب عيني يضطلع به الجميع، بل لقد حذر شيخ حسن في هذه النسخة من المؤتمر أن تقوم به فئة دون أخرى فيزج بها في السجون، بل يريدها ثورة شاملة يقوم بها كل الشعب، بل إن شيخ حسن قد بدا هذه المرة واثقاً من قيام الثورة لدرجة ذهابه في عمليات ترسيم مرحلة ما بعد الثورة، فالثورة الربيعية التي قال عنها الرئيس البشير في مؤتمره الأخير «إن الذين ينتظرون الربيع السوداني سينتظرون طويلاً»، شيخ حسن يراها قريبة جداً، وأنها أقرب للمؤتمر الوطني من شراك نعله، يرونها بعيدة ويراها شيخ حسن قريبة جداً، على أنها مسألة وقت لا أكثر. { وأكاد أجزم صادقاً، والحال هذه، لو أن شيخ حسن نجح في صناعة ثورة سودانية في هذه الشتاء، لفكر قبل حلول الصيف في الخروج عليها ومفاصلتها لصناعة ثورة تصحيحية أخرى، فثورة شيخ حسن التجديدية لا تنحصر على الفقه بل لا تقبل الرتابة والاستكانة في كل مناحي الحياة. غير أن السودان الذي يفرض نفسه هنا وبقوة، لا أقول لماذا الثورة ولكن كيف؟ فشيخ حسن نفسه يعترف بأن الثورة إذا ما اندلعت هذه المرة فستنطوي على خسائر دموية كثيفة وذلك لتعقيدات تركيبة المسرح السياسي، فهل نحتاج لمزيد من إراقة الدماء، بل ما هي المبررات والتخريجات الفقهية والدينية والأخلاقية التي تشرعن الثورة التي ستنهض على جثث الأبرياء؟!