نقطة نظام كان يطلقها من مقاعد الأعضاء، أو المقعد الوظيفي في الجمعية التأسيسية «السابقة» وهو ينتمي حينها إلى الكتلة المعارضة لحزب الجبهة الإسلامية القومية. كان من أبرز الرموز والوجوه التي ظهرت في بداية ثورة الإنقاذ، بل ومن الذين أتت بهم الثورة ضمن قيادات أخرى، وقدمتهم لمناصب رفيعة في وقت باكر بعد تفجرها، فتولى أول منصب له في ذاك الوقت، وهو نائب والي الولاية الشمالية الكبرى، ومن ثم والياً لولايات أخرى، ومسؤولاً تنفيذياً وسياسياً في إطار مهام التكليف. وعندما انقسم الإسلاميون في تلك المفاصلة المعروفة، والشهيرة، بعد قرارات الرابع من رمضان؛ مضى في اتجاه «الشيخ»، ثم عاد ومضى في اتجاه المشير، أو ما عُرفا وقتها بجناحي «المنشية» و«القصر». عاد هذه المرة ليدير نقطة النظام من خلال منبر القيادة في المجلس الوطني المنتهية ولايته، فكان نائباً للرئيس، وهو موقع برلماني رفيع، والآن يعود في التجربة الديمقراطية الرابعة نائباً برلمانياً عن دائرة من دوائر أم درمان مع وقف التنفيذ، وذلك بعد أن أعلنت المفوضية عن إعادة الانتخابات بها. فهل سيمارس حق النيابة إذا فاز مرة أخرى في هذه الدائرة، من نفس مقعده في الديمقراطية الثالثة من موقع نقطة نظام.. ولكن هذه المرة من داخل كتلة الحكومة، أو من خلال منبر القيادة في منصة إدارة المجلس الوطني الجديد المنتخب؟ ما بين هذا وذاك؛ كانت الإفادات الجريئة للأستاذ محمد الحسن الأمين نائب رئيس المجلس الوطني المنتهية مدته، والقيادي السياسي المعروف، الذي التقينا به في حوار تطرق للقضايا السياسية ما بين اليوم والأمس، الذي ننشره في حلقات. ٭ قلت في الحلقات السابقة أن مذكرة القوات المسلحة التي قُدّمت لمجلس رأس الدولة في أواخر عهد الديمقراطية الثالثة كانت تستهدف إخراج الجبهة الإسلامية من السلطة. فهل كان للحزب الشيوعي أي دور في هذه المذكرة خاصة وأن كل القوى السياسية نفت المشاركة في صياغتها وقالت إنها عسكرية صرفة؟ - حقيقة مسيرة إخراج الحركة الإسلامية من السلطة بدأت منذ أواخر عهد مايو وتحديداً بزيارة بوش الأب للسودان وقتذاك والذي أعطى إشارات لبداية هذا المخطط، وجاءت بعد ذلك في نهايات الديمقراطية الثالثة مذكرة القوات المسلحة الشهيرة والتي نعتبر أنها كانت بداية الخيط الذي كان سيودي بحياتنا فقطعنا هذا الخيط، فمراحل إخراجنا من السلطة كانت تسير خطوة فخطوة ضمن مخططات مستمرة. ٭ هل صاغ هذه المذكرة أو شارك فيها حتى ولو بقدر يسير الحزب الشيوعي وقتذاك؟ - الحزب الشيوعي كان له دور فيها باعتباره أحد الأعمدة المكوِّنة لحكومة القصر آنذاك، حيث شارك في حكومة القصر ونحن رُفضت مشاركتنا فيها. ٭ كيف يستقيم منطقياً وتاريخياً أن نرى برلماناً ليس فيه الصادق ولا الميرغني ولا الترابي ولا نُقُد؟ - نحن لا نتبع أشخاص. فأنت ستجد منطلقات هذا الشعب وحركته الحديثة التي يحاول البعض أن يتحدث عنها ويتبناها... كلها ستجدها في إطار هذا البرلمان بتوجهاته المختلفة، ستجد كل القيادات سواءً كانت اتحادية أو حزب أمة على سبيل المثال، فارقت لأسباب منطقية وأسباب معقولة جداً، والآن صارت جميعها في تيار وطني سيقود ويصحح ليمضي في الخط المستقيم، ولكن ليست بالضرورة بالقيادات التاريخية هذه، وأصلاً لو كان الزمن يسير بصورة صحيحة لما كان لهؤلاء أن يكونوا رؤساء حتى الآن ولا في مواقعهم، لأن الرئاسة يجب ألاّ تورّث ويجب ألاّ تكون أبدية، لأنه لا توجد هناك قيادة أبدية للقوى السياسية، ولذلك فالمسألة فيها تجديد لروح القيادة، وأعتقد أن الشعب السوداني الآن مُمثّل خير تمثيل في البرلمان وقيادته وفي قيادة المؤتمر الوطني نفسه، فنحن استوعبنا التيار الفكري داخل القوى السياسية الأخرى لتحديث تلك الرؤى في إطار الحزب الجامع وهو المؤتمر الوطني. ٭ الأستاذ محمد الحسن الأمين وغيره من القيادات تقلدوا مناصب سياسية وسيادية، وثورة الإنقاذ مازالت بكراً بل ولم يتحدد مسارها بعد، فهل كانت هذه الاطلالة حتمية في ذلك الوقت وهل ظهوركم الباكر هذا كان خصماً من رصيد الثورة أم أضاف إلى رصيدها في ذاك الزمان؟ - أنا كنت رئيساً للجان الشعبية بولاية الخرطوم بعد ثلاثة أشهر فقط من قيام ثورة الإنقاذ عبر تشكيل شعبي تكوَّن وقتذاك فيما عُرف بفترة اللجان الشعبية، وكنت رئيساً للجنة التي قامت بالاحتفال بالذكرى الأولى لثورة الإنقاذ، وفي العام 1990م تم تعييني نائباً لحاكم الولاية الشمالية سابقاً، وبالطبع فالمرحلة الأولى كانت فيها (تعمية) كما قال د. الترابي (ذهبت إلى السجن حبيساً وذهب إلى القصر رئيساً) فتلك كانت هي مرحلة معينة بعدها بدأت القيادات تتولى الشأن، وبالتالي أنا لم أظهر وقتذاك لوحدي بل بدأ ظهور القيادات تباعاً، ولكن أظل أنا من أوائل الناس الذين ظهروا على المشهد السياسي وكان لا بد من ذلك، لأننا لوجعلنا هناك متسعاً من الوقت واستمرت المسائل بصورة أطول وتركت القيادات بعيداً لكان سيحدث الانفصام، وبالتالي هذا الانفصال الذي حدث لاحقاً كان سيحدث من أول عام لو لا تدارك الأمر. ٭ إذا قلنا أن محمد الحسن الأمين كان من أهل الحظوة والقدح المُعلّى في بداية الإنقاذ وحتى منتصفها.. فماذا نتوقع له أن يكون في العام 2010م هذا أي بعد صناديق الانتخابات؟ - بالطبع لقد انتهت تلك المرحلة والآن نحن مع خيار الشعب السوداني في إطار المؤتمر الوطني، والمؤتمر الوطني هو شيء يختلف عن تكوين الإنقاذ السابق لأنه استوعب كل الوسط السوداني، واستوعب الشعب السوداني إلا قليلاً، وبالتالي فهذا هو التيار العام الذي يقود البلاد الآن وفقاً لتفويض القاعدة له، ونحن مع هذا التفويض ومع القيادة التي تم اختيارها بشبه إجماع، وهذا سيكون في مصلحة البلاد طالما أن هناك توحيداً للرؤى وتوحيداً للخط العام والمبادئ والموجهات العامة للدولة، ومن ثمّ الانطلاقة من هذه القاعدة القوية، وبالتالي فليس بالضرورة أن تكون هناك أحزاباً كثيرة في السلطة متصارعة لأن الاختلاف ليس أمراً محموداً. ٭ يُقال أنكم كحزمة حكم متكاملة تتوجسون من ذكاء الترابي؟ - هذا ليس صحيحاً.. كما أن حديث المدينة عنه بهذه الشاكلة هو ليس كذلك وحقيقة الكلام عن أن الترابي يميل للمراوغة هو حديث أيضاً غير صحيح. فالترابي مفكِّر وله رؤيته التي نختلف معه فيها، والآن هو أصبح معارضاً بتوجهات معينة وأثبتت التجربة أن الناس قد وقفوا مع معارضيه الذين هم مع المؤتمر الوطني ولم ينحازوا إلى طرحه الذي يطرحه، وبالتالي على التيار الذي يقوده أن يراجع نفسه ليكون الحديث حينها لماذا حدث التراجع النسبي من توجهاته التي كانت في السابق على الأقل عندها وزن أكبر مما هي عليه الآن!. ٭ بعض السياسيين من القوى الأخرى ينظرون لدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني بأنه متشدّد بعض الشيء بما يشبه تشدُّدك عندما كنت أميناً سياسياً بالمؤتمر الوطني الموحد فكيف هي علاقتك الآن بقيادات المؤتمر الوطني ومن بينهم د.نافع؟ - أنا الآن كشخص في المؤتمر الوطني لي تلاقٍ مع كل القيادات فيه كشيء طبيعي، لأنه هو التيار والقيادة التي أنا موجود فيها، والأخ نافع قيادي مشهود له وهو أستاذ في جامعة الخرطوم وهو من أعرف الناس، وصحيح قد يكون لمجموعة من الناس من القوى السياسية أنه قد ظهر مؤخراً، ولكن د. نافع هو شخص أصيل جداً وله دور داخلي في التنظيم منذ فترة طويلة جداً وفي أروقة كثيرة، وبالنسبة للأشخاص من خارج الإطار قد يكون بالنسبة لهم شخصية جديدة لكنه من أعمدة الحركة الإسلامية المعروفة. ٭ انقسام الإسلاميين.. هل هو ظاهرة عادية أي غير مزعجة؟ - ديدن التوجُّه العقائدي دائماً يحدث فيه شيء من الفهم المختلف وهذا لم يحدث في السودان فقط، بل في كل الحركات الإسلامية في العالم، حيث شهدنا حدوث الانشقاقات في الحركات الإسلامية، ونحن كنا نعتقد بأننا أكثر الناس بُعداً عن هذه الانشقاقات، وفي داخلنا ليس هذا هو أول انشقاق يحدث بل سبق ذلك انشقاقات مجموعات صادق عبد الله عبد الماجد وجعفر شيخ إدريس وبعض قيادات الأخوان المسلمين، ولاحقاً تم تكوين حركة الأخوان المسلمين وهكذا، وبالتالي فالمسألة موجودة. ٭ انفصال الجنوب هل كان بند مختزن في أدبيات الحركة الإسلامية وأطل برأسه الآن؟ - لا... كلا... ولعلمك أقول أن الحركة الإسلامية هي حركة أممية تدعو وتعمل لأن تسود رسالة السماء في الأرض، وجزء من أدبياتها أنه حتى الحدود القائمة الآن هي صناعة استعمارية، فنحن رسالتنا هي رسالة للبشرية ورسالة للأرض حيثما كانت، وبالتالي فالحديث عن أننا نقتطع من الأرض أي سنتمتر فهذا ليس في أدبياتنا، فنحن من أدبياتنا التوسع وهذا هو الذي سبب لنا المشاكل في دعوتنا العابرة للحدود، وبالتالي فالحديث حول الانفصال هو أصلاً غير وارد ولا يمكن أن نشجّع ذلك. ٭ الآن اقتربنا من ذكرى 25 مايو ولعل الإسلاميين هنا قد تواجهوا مع القوى السياسية الأخرى وتصادموا مع حكم الرئيس الراحل جعفر نميري في أكثر من حادثة والتي أبرزها أحداث يوليو 1976م وانقلاب المقدم حسن حسين، ولك شخصياً تجربة ووقفة مع هذا الانقلاب فماذا كان هنا؟ - حقيقة حركة حسن حسين كان فيها بعض الإسلاميين باجتهادات فردية، وأنا سُجنت من سلطة مايو وقتذاك وقبلها كنت في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، واعتقلت لفترة سبعة أشهر. ٭ هل كنت مشاركاً؟ - لم أكن مشاركاً في انقلاب حسن حسين ولكن كان هناك اتهام للحركة الإسلامية نسبة لبعض الإسلاميين الذين شاركوا باجتهاداتهم، وبالتالي كانت هناك رائحة بأن تنظيم الحركة الإسلامية هو مشارك فيها وكان براء من ذلك، ولكن دفعنا فيها ثمن أكثر من الحركات التي شاركنا فيها فعلاً، وتم اعتقال الكثير من الإسلاميين، وبالتالي فإن حركة حسن حسين تضررت منها الحركة الإسلامية ضرراً بليغاً ودفعت بسببها ثمناً غالياً.