ذات السيناريو القديم يتكرر مع أهالي حي القادسية بشرق النيل؛ فقضية تلوث مياه من موقع «البيارة» أو بئر الشرب التي تسقي المنطقة لا تزال تراوح مكانها، وحسب إفادات أهالي المنطقة، فأن البئر التي يشرب منها الأهالي غير مطابقة للمواصفات تماماً.. المواطنون هنالك اشتكوا من تغير طعم ولون المياه واصبحوا يعتمدون على أجهزة «الفلتر» المنزلية وبعضهم فضل استعمال مياه «الصحة» رغم تكلفتها العالية!! كاميرا «الأهرام اليوم» التقطت صوراً لبئر الشرب بالمنطقة تؤكد تعرضها لعوامل التلوث، إذ إن البئر مكشوفة وفي العراء دون حواجز.. معاناة أهالي المنطقة امتدت إلى حد إصابتهم بأمراض معوية.. «الأهرام اليوم» طرقت أبواب مكاتب هيئة المياه بشرق النيل الذين أكدوا بدورهم أن شكاوى عديدة وصلتهم من أهالي المنطقة، واشاروا إلى أنهم رفعوها إلى هيئة مياه ولاية الخرطوم، وإلى معمل الهيئة لكنهم لم يتلقوا ما يفيد بصلاحيتها للشرب أو عدمه حتى الآن.. اللجنة الشعبية أكدت «للأهرام اليوم» أن شبكة المياه بالمنطقة متهالكة وقديمة انشئت منذ الستينات من القرن الماضي ولم تخضع لعمليات صيانة. دعونا نتعرف إلى حكاية هذه البئر الملعونة من أهالي القادسية: شكاوى الأهالي: التقت «الأهرام اليوم» محمد مجذوب الذي يقطن الجريف شرق حي القادسية جوار البئر مباشرة والذي اشتكى بدوره من وجود رائحة كريهة في الماء، وقال إن ضيوفهم من خارج منطقة الجريف يرفضون السقاية منها، وأكد هؤلاء ان مياه القادسية تسببت في اصابة الاطفال بالاسهالات، وأنهم تحولوا عنها إلى المياه الصحية المعبأة في زجاجات، واشار إلى ان المنازل فيها سيفونات وان منزله قرب البئر، واضاف: نخشى أن تكون المسألة مرتبطة مع بعضها في اشارة إلى امتزاج مياه الشرب بالسايفونات، وقال إن الأمر في زيادة وان الشباب المسؤولين في الحي حاولوا علاج الأمر ولكن دون جدوى. يقول احد المواطنين حول تلوث المياه في المنطقة، ان تلوث المياه أصابني بمرض «البلهارسيا»، وتأكد ذلك بعدما ذهب إلى عيادة للتحاليل الطبية وقابل الطبيب الذي شخص حالته بالاصابة بالبلهارسيا، وسأله هل تقطن الجزيرة في اشارة إلى أنها منطقة معرضة لهذه الأوبئة، وطلب اجراء مزيد من الفحوصات وبعدها قابلت البروفيسور عبد القادر احمد عبد القادر بالخرطوم «ماجستير امراض الدم» اتهمني بذات المرض وطلب مني اجراء فحوصات، وافادت النتائج بوجود تضخم في الطحال!! هل يا ترى أن لمرض هذا المواطن علاقة مباشرة بتلوث مياه الشرب في منطقته كما يزعم.. قد تكون الاجابة بنعم كارثة!! كثافة سكانية في المنطقة: المواطن شرف الدين علي مختار أفادنا بأنه يقطن بالحي منذ العام 1990 وقال ان عدد المنازل والأسر في تلك الفترة كان محدوداً، واضاف: خلال العشرين سنة الماضية حدث نمو هائل في عدد السكان والمباني والمرافق الموجودة والتي تتمثل في مستشفى شرق النيل التخصصي ومكتب السجل المدني ومكاتب اتحاد نقابات المعلمين والمؤتمر الوطني والمجلس التشريعي ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى وجود «4» مساجد ومدرسة أساس بنات وثانوي عام، وأساس أولاد و«3» مدارس خاصة أساس وما لا يقل عن «20» بقالة وسوبر ماركت على الشارع ومكتب سوداتل بشرق النيل وبسط الأمن الشامل، وأضاف: كل هذه التطورات حولت الحي الصغير إلى حي كبير بهذا الحجم ولم يصاحبه تطوير في الشبكة القديمة منذ 20 سنة لتستوعب الاستهلاك لهذا الكم الهائل إلا من بعض مجهودات متقطعة من اللجنة الشعبية والتي تمثل في عمل صهريج ماء وتغيير بعض المواسير في الشبكة وحفر بئر أخرى مع هيئة توفير مياه شرق النيل ولمعالجة هذا الموقف والذي تمثل في أعطال متكررة في الشبكة وانفجار الأنابيب شتاء وصيفاً وتنبعث روائح كريهة في التوصيلة، وأضاف: لقد تمت اتصالات متعددة ومتنوعة في الولاية والمحلية لتدارك هذا الموقف في مصادر المياه وتغيير الشبكة التي مضى على إنشائها عشرات السنين لحماية المواطنين من خطر المياه الملوثة ولكن حتى هذه اللحظة لم تتم معالجات جذرية عدا بعض المحاولات من مكتب هيئة المياه بشرق النيل وهي لم تثمر عن معالجة هذه الروائح التي يشتكي منها المواطنون، وكذلك معاناتهم من انسيابية المياه بسحب هذه الشبكة المتهالكة من المنطقة التي اكتظت بالمؤسسات والمنظمات والمدارس والمستوصفات لمعالجة هذه القضية التي تمس حياة المواطنين، وطالب بالتدخل العاجل من الولاية لحل الاشكالية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وطالب بتجديد شبكة المياه ومصادرها. رواسب تحتاج إلى «فلتر» يقول عيسى موسى ابراهيم من مواطني حي القادسية مربع «5»، إن المياه تحمل رواسب كثيرة، واشار إلى انهم اعتمدوا في منازلهم على «الفلتر» من اجل الحصول على مياه نقية، وأضاف: بالرغم من العبء المالي الأضافي، فإن اسرته تضطر شهرياً إلى تغيير «شمعات» الفتر كل ثلاثة اشهر، وأشار إلى أن الجهاز لخاص بالملوحة لا يعمل أكثر من سنة وهي الفترة التي يقضيها ولكنهم وبشهادة الشخص المسؤول عن الفلتر يحتاج لتغيير الشمعات لأن رواسب المياه كثيرة جدا لذلك اثرت الاوساخ على الجهاز. وقالت زوجته مها عامر بابكر التي تعمل بإدارة تعليم الجريفات «ام دوم»، إنهم منذ عامين لا يشربون الماء دون فلتر «حيث نقوم بتغيير الشمعات كل شهر بمبالغ تتراوح بين 10،20،30 حسب اسعارها»، واشارت إلى ان المهندس ذكر لهم بان الماء قد يكون متصلاً بالصرف الصحي، واضافت: نعتبر هذه معالجة فردية وتحسرت على حال الذين لا تساعدهم ظروفهم على اقتناء «فلتر» أو حتى الحصول على ماء نظيف. بيارة قديمة وشبكة متهالكة والبيارة أو البئر التي يشرب منها اهالي القادسية ليست جديدة اطلاقا، هذا ما يشير إليه محدثنا معتز السيد عوض الله سكرتير اللجنة الشعبية حي القادسية، حيث قال إن الشبكة قديمة وانشئت في الستينات تقريباً وهي من الاسبستوس وهي مادة مسرطنة، واضاف ان حي القادسية كانت به محطتان؛ واحدة بمربع «2»، واخرى بمربع «1»، واشار إلى ان محطة مربع 2 بها اشكاليات ادت إلى اغلاقها وتقع العاملة بمربع 1، وقال إن المعاناة ليست بالجديدة إذ بدأت منذ عامين كان هنالك شح في المياه لأن المواسير التابعة لمربع واحد كان ضخها عالياً وبعدها اجتهدوا في حفر بئر جديدة وحصلوا على مولد وتم تغيير الشبكة وكانت 4 بوصة إلا انهم تفاجأوا بأن التي تم تركيبها 6 بوصة وعندها اتصلوا بالجهات المعنية لتعديل هذا الخطأ ولم يجدوا أي اهتمام من المسؤولين، واكد ان الماء بها رائحة لا تطاق واحياناً لا يواصلون الوضوء لأن المياه في رأيهم لا تصلح، واضاف ان الشركة التي قامت بحفر البئر لم تحفر عميقاً وقد حفرت 200 متر، ورأى ان الماء لكي يكون صحياً لا بد ان يكون العمق 400، وأردف: في النهاية هذه متروكة للجهات المختصة. لكن ما هور دوركم في اللجنة الشعبية؟ يجيب على هذا السؤال السكرتير معتز السيد قائلا: ذهبنا إلى مدير مكتب المياه بشرق النيل الذي طلب عمل دراسة وعلمنا انها تكلف 4 ملايين والتزمنا كلجنة شعبية بدعم بمليون في ذلك الوقت وباقي المبلغ يجمع من المواطنين، لكن لم نصل إلى نتيجة علماً بان المحطة 200 متر أو ما يقارب 150 متراً، موضحا ان مربع «2» متضرر وتشمل تغطية لهذا الحي عدد 100 منزل، أضاف انهم أوقفوا الدراسة لأنهم لم يجدوا أي استجابة. غير مطابقة للمواصفات قبل أن نذهب إلى مكتب هيئة المياه، ارتأينا أن نسأل خبيرا في مجال الابار الجوفية حتى تساعد اجاباته في صياغة اسئلتنا إلى الجهات المختصة، إذ التقينا بمهندس زراعي متخصص في المياه الجوفية، وقد أبلغنا في إفادته أن الآبار لديها اعماق مختلفة، وان العمق الخاص بالشرب يبلغ اكثر من 400 قدم فاذا تم سحب الماء قبل ان تصل الى العمق الحقيقي تختلط مع المياه السطحية وهي مختلطة بآبار السايفونات والشبكة واحدة، واضاف ان الماء النظيف يوجد في الاعماق بعد الطبقة الصخرية وتخترق بماكينة تدخل الطبقة الصلدة وتدخل الى المحتوي المائي الحقيقي وتتراوج لكن لا تقل عن «400» متر وما فوق، وأبدى ملاحظته حول آبار السايفونات الآن، وقال إن مياه القادسية لا تحتاج إلى فحص، اذ انهم لا يستطيعون الوضوء بها. واشار الى ان المسؤولين من الشأن لا يولون هذا الامر اهتماماً رغم التغيير الذي حدث في حفر السايفونات بالماكينة إلا انه ما زال البعض يستخدم هذه الطريقة، وقال: إذا استمر الحفر بهذه الطريقة فسوف تكون المسألة خطراً بعد «10» سنوات. أين ذهبت العينات؟ وفي ختام جولتنا ذهبنا إلى مكتب مياه شرق النيل الذي أفادنا بوصول شكاوي في فترة سابقة وأرسلوها بدورهم الى الجهات المعنية ولم يصلهم من المعمل ما يفيد بأن هذه المياه ملوثة.