كنا منذ فترة قليلة قد استجبنا لنداءات أهل حي القادسية بمحلية شرق النيل، وهم يشتكون من تغير لون وطعم المياه التي تدخل منازلهم عبر «مواسير الهيئة»، ولقد اشتركت شخصياً «صاحب من الملاذات» في إدارة تحقيق صحفي حول استجلاء هذا الأمر، فنزلنا إلى «أرض الأزمة» فاستنطقنا المواطنين، ثم وقفنا على حال المياه وآلياتها «بياراتها وكسوراتها»، ثم ختمنا تحقيقنا بمكتب مياه شرق النيل، فواحدة من أوجب واجباتنا المهنية هي أن نرمي الحجارة في «البرك الساكنة» ثم لننتظر إجابات على أسئلتنا التي طرحت بحكمة وعقلانية! لم يمض طويل وقت على نشر ذلك التحقيق حتى تلقينا خطاباً من إدارة هيئة مياه الولاية، وهي تشكر على تفاعلها مع ما يكتب ويثار في الصحافة، قالت الهيئة في تعقيبها الذي حرصنا على نشره مباشرة، إن مياه القادسية غير ملوثة وإن تغير طعمها ولونها، وإن تغير اللون والطعم لا يعني، بحسب رد الهيئة، أن تكون المياه ملوثة، قالت الهيئة في دفوعاتها تلك، إنها قد أخذت عينة من مياه القادسية وأخضعتها إلى التحليل بمعملها المركزي وجاءت النتيجة إيجابية «مياه صحية غير ملوثة». الهيئة أيضاً قالت «إن الإصابات المعوية التي أشار إليها التحقيق لم تكن بفعل المياه، ولتبحث المشافي التي تتسور الحي وترصد هذه الحالات بما في ذلك المدارس، فلتبحث عن أسباب أخرى، اعترفت الهيئة بشيء واحد فقط، وهو أن هنالك خطاً مصنوعاً من مادة الاسبستس يرجع إلى ستينيات القرن الماضي، هذا الخط هو الخطأ الوحيد في هذه المعادلة وأنها تسعى لتغييره. ويجدر بالذكر أننا قد عرضنا في ذلك التحقيق مسألة «الكسورات» المتفشية في هذا الحي، إن كانت تجذب بعض الملوثات إلى داخل المواسير عند انحسار المياه في الخطوط، الهيئة من جهتها قطعت بعدم إمكانية حدوث مثل هذا التلوث. شيء آخر، وهو أن مياه القادسية تأتي من مصدرين اثنين، خط مياه نيلي، وخط يأتي من بيارة قديمة، وتساءلنا، إن كانت السايفونات التي تحيط بالبيارة قد اختلطت بمصدر مياه البيارة!، الهيئة من جهتها قد أكدت بأن عمق بيارتها مراعى فيه النواحي المهنية. المهم في الأمر أن هيئة المياه قد أوصدت أمامنا كل الأسباب والأبواب التي يمكن أن تفضي إلى تلوث المياه، ويكفي أن «معملها المركزي» قد قال ببراءة مياه القادسية، كما أن ليس للهيئة مصلحة في تبرئة مائها ومرعاها من التلوث، وهي تدرك أن عاقبة هذا الأمر هو الحكم بالإعدام على مواطني مدينة بأكملها، والهيئة، نحسب أنها تقرأ القرآن وتخاف الله، وربنا سبحانه وتعالى يقول «من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً». وبرغم كل ذلك فإن روع مواطني الحي لم يهدأ، ولم تطمئن قلوبهم تماماً، فعلى الأقل أن المياه في البيوت التي تتسور البيارة لا تصلح للاستحمام ولا للوضوء ولا لغسيل الأواني، فهل المياه التي لا تصلح للوضوء يمكن أن تصلح للشرب؟ وشيء ثان، صحيح أن معمل الهيئة قد قطع بسلامة هذه المياه، لكننا بالعين المجردة نرى «الرواسب السوداء»، وبالذوق المتجرد نتذوق طعم هذا الماء المتغير، وبرغم ذلك نرجع ونقول (أنحنا حا نعرف أكثر من الحكومة)! مخرج.. ونحن بهذا نطرح قضيتنا هذه للرأي العام، بما في ذلك أهل الاختصاص في الجامعات والمراكز البحثية والمعامل المحايدة، لأن هذه القضية من الخطورة بمكان وهي تتعلق بحياة المواطنين! والسؤال المطروح بشفقة ورعب من قبل مواطني الحي، هل إن الماء الذي يستنكف المواطن ويتأفف أن يغسل به الأواني المعدنية، هل يمكن أن يرسله إلى معدته، الماء الذي لا يصلح للوضوء ولا الاستحمام هل يصلح للشرب؟! وإلا أن يكون ذوقنا جميعاً قد أصيب بتلوث.