{ وصلاً لرواية الأمس وقبل أن أسترسل أعود إلى التاريخ لننسج خلفية تاريخية عن مدينة (إستانبول) التفاحة الحمراء، كما يطلق عليها من قبل قومها وقاطنيها منذ أمد بعيد، وقد كان أول ذكر لها وفق الحفريات الأثرية يعود إلى (5500) سنة قبل الميلاد بعد أن تم العثور على آثار فينيقية في بعض أجزائها تعود إلى ذلك التاريخ ولكنها كمدينة على حيز الوجود بدأت كمستعمرة في العام (659) قبل الميلاد وفي عهد الملك (لايغوس) تم ضمها إلى الدولة البيزنطية ومن بعد ذلك انتقلت إلى عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية وأخذت اسم (القسطنطينية) وفي العام (360) ميلادية تحولت الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى المسيحية وتم بناء كنيسة (آيا صوفيا) التي تم تحويلها إلى مسجد بعد أن دخلها السلطان محمد الفاتح في 29/5/1453م بعد أن حاصرها ثلاثة وخمسين يوماً واستمرت مسجداً طيلة عهد الدولة العثمانية حتى صدر قرار سنة 1934م بتحويلها إلى متحف في عهد الجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك وبقيت متحفاً حتى الآن يزوره السياح من مختلف أنحاء المعمورة وقد تشرفنا بزيارته وسنحكي عنه لاحقاً وفق تسلسل هذه الحلقات من رحلتي إلى تركيا. { في تاريخها الطويل تعرضت إستانبول إلى الزلازل مرتين؛ الأولى في العام 1509م وقد استمرت توابعه لمدة (45) يوماً انهارت بسببه آلاف الأبنية الأثرية من مساجد وأسوار وقلاع وتعرضت أخرى للتصدع، أما الزلزال الثاني فقد تعرضت له في العام 1894م في عهد السلطان عبدالحميد الثاني وهو السلطان الذي ما زالت بعض مساجدنا تدعو لجيوشه بالنصر وقد عمرت إستانبول كعاصمة سياسية لأكثر من ألفين وخمسمائة عام حتى تم تحويل العاصمة إلى (أنقرة) بعد تأسيس الجمهورية في العام 1924م. { يوجد بهذه المدينة الكثير من الآثار التاريخية لا سيما وأنها مدينة تعاقبت عليها عدد من الحضارات الإنسانية القديمة وكل حضارة من هذه الحضارات أضافت لهذه المدينة جانباً من هويتها ومعالمها وما يلفت نظر الزائر لمدينة أستانبول منذ الوهلة الأولى الحصون والأسوار التي تحيط بالمدينة التي بناها البيزنطيون وقد كانت هذه الأسوار تتسع من عهد إلى عهد وتبتعد من مركز المدينة وهي تمتد على طول ساحل المدينة القديمة وعلى السور (100) برج مراقبة لم يستطع أي جيش من الجيوش التي غزتها أن يتجاوز هذه الأسوار إلا جيش محمد الفاتح وقد كانت لها أبواب جهة اليابسة، تفتح أمام الشعب وتغلق في أوقات الحرب وبجانب ذلك تنتشر في المدينة الكثير من القصور مثل قصر (دلمه باهتشة) الذى يعني بالعربية (الحديقة المحشوة) باعتبار أن القصر أقيم على البحر بعد ردمه، ومن القصور (توبى كابى) الذي بني بتوجيهات من السلطان محمد الفاتح والذي تحول أخيراً لمتحف يتبع لوزارة الثقافة التركية ويحوي بعض الآثار الإسلامية والمقتنيات من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، بالإضافة لبعض الآثار الأخرى الخاصة بالأنبياء عليهم السلام ويوجد هذا المتحف بالقرب من متحف (آيا صوفيا) وهناك قصر (يلدز) وغير ذلك الكثير من القصور التى قطنها السلاطين العثمانيون وبجانب ذلك تضم مدينة إستانبول الكثير من المسلات والأحواض والقنوات المائية والأبنية الدينية التي تحولت إلى مساجد وفي إستانبول آلاف المآذن والمساجد وأينما تكون يمكن أن تتجه يمنة أو يسرة ستجد مسجداً تقيم فيه صلاتك ومن أبرز المساجد في إستانبول مسجد السلطان أحمد بالإضافة لعشرات المكتبات ذات القيمة الحضارية الكبيرة التي تضم المخطوطات والمطبوعات بالأحرف القديمة، ومن أبرز هذه المكتبات مكتبة السليمانية التي تضم ثمانين ألف مخطوطة وأكثر من مائة وخمسة عشر ألف كتاب من الكتب القديمة. وفي إستانبول العديد من الأحياء الإسلامية القديمة ومنها حي (أبو أيوب الأنصاري) الصحابى الأنصاري رضي الله عنه وقد تشرفنا بزيارته ولكلمة (حي) عند الأتراك منطق فيزيائي وثقافي يرتكز على المشاركة في الحياة الاجتماعية. { عموماً إستانبول مدينة حديثة قديمة وتقوم على سبع تلال مرتفعة تكسوها الخضرة والأشجار وتقوم عليها بنايات شاهقة وطرق وجسور وتتمدد المدينة لمئة كيلومتر ويقسمها خليج البسفور إلى قسمين أحدهما أوربى والآخر على الجانب الآسيوي، يربط بينهما جسران نشاهدهما كثيراً في المسلسلات التركية وهما يرتفعان إلى (36) متراً وقد عبرت من تحتهما قبل شهور حاملة طائرات عملاقة باعتها روسيا إلى إيران وقد تزاحم الصحفيون الأتراك أمام الجسرين لتصوير عبور هذه البارجة بعد أن سرى جدال واسع حول إمكانية عبورها من عدمه. { من الغد سنتجول في إستانبول ونتحصل على التفاصيل التي ستحمل كل قارئ على السفر إليها وسنطرح الأفكار الكبيرة التي وجدناها هناك.