الأستاذ الفاضل/الشاذلي حامد المادح تابعت باهتمام سلسلة مقالاتك (رحلتي إلى تركيا)، فلك منا الشكر أجزله والثناء أوفره والتقدير أجله، وأنت بأريحية دواخل تصطحب معك القارئ الكريم متجاوزا به الحدود في سياحة خلاقة عبر الحروف، وكأني بك تتكرم عليه بالرفقة الجميلة /نعم، حتى حسبتك أنك تحفز الناس، كل الناس وتشحذ الهمم بأن (اهبطوا تركيا). فالشاهد عندي سيظل الصحفي المحترم والمجتهد والمثابر، هو عين قرائه الأفاضل متحدثا باسمهم يستمد أنفاسه من أنفاسهم ناقلا لهم بشفافية لكل مجريات الأحداث، سياسية كانت أم ثقافية أو اجتماعية، داخل وخارج قطره، وهذه محمدة تحسب لك وأنت ما فتئت وفي كل بعثة خارجية لك تحرص أشد الحرص بأن تفسح لها سلسلة من المقالات الشائقة ب (رواية أخرى)، ويا لها من رواية وكأنها مائدة دسمة تزخر بالمطبوخات الشهية الجيدة، ناظرا إلى القارئ الكريم بأعين الاعتبار والتقدير، لتشركه التفاصيل الكاملة للنقلة النوعية التي وصلت إليها الأمم من حولنا، متعشما في أن نكاتفهم ذات يوم أو أقلها أن نتشبه بهم وقد قيل قديما إن التشبه بالرجال الأكارم فضيلة وفلاحة. صراحة أكبرت فيك هذا المنحى وأنت بقلم نال حقه من الاستحقاق التام تنقل إلى قارئك التفاصيل الدقيقة لرحلة تركيا حتى يخيل له وكأنه في معية هذا الوفد الكريم الذي ترأسه البروفيسور/شمس الدين زين العابدين المدير العام لأكاديمة الأمن العليا وصحبة الأماجد، فقد تشرفوا كثيرا واستفادوا علميا وأكاديمياً بالطبع بهذه الورشة المميزة وسعدوا بها أيما سعادة وإفادتك في (رواية أخرى) شاهدي على ذلك. والشعوب المحترمة التي سبقتنا ولحقت بركب الأمم في كل العلوم بمختلف ضروبها كان همها الأول والأخير وعبر شراكة ذكية جدا أن تستثمر في إنسانها رافعة من شأنه ناظرة له كمورد بشري له ما بعده في نماء الأوطان وازدهارها، وكيف أنها ابتعثته مرسلة له إلى دول ما وراء البحار، حيث الإشعاع العلمي الجيد والحضارة المكتسبة والتأهيل الأكاديمي الأمثل بأرفع تقنيات العصر، ودفعت جراء ذلك دفع من لا يخشى الفقر، ولم يخيب ذلكم المبعوث باعثيه بعدما انعكس الأمر خيرا وبركة عليه وعلى سائر شعب بلاده، حافظا لهم الجميل، عاكسا لنفسه الوجه الأجمل للشخص المثابر الطموح، وقد سمعت يوما المرحوم (صدام حسين) برغم اختلافي الواضح والصريح معه يقول (إن أفضل الاستثمار في الأرض بعد الأديان السماوية هو الاستثمار في الإنسان)، واحترمت فيه هذا الرأي السديد. أتعشم كثيرا في كل بعثاتنا الخارجية وبمختلف مسمياتها وتخصصاتها ومهامها، أن تنقل للمواطن السوداني (العامل) أفضل التجارب وأرفعها شأنا، وأكثرها نجاحا وأحسنها فائدة، وتخبره بالكيفية المثلى التي تقدمت بها تلك الشعوب، عسى ولعل أن نوطن بداخل الأنفس حب الوطن الكبير، والانتماء الحقيقي له ونزرع الأمل والعشم الأخضر لغد أفضل، ونسدد الفاتورة المستحقة لهذا الشعب الطيب، رافعين من قدره ولنفاخر ونزدهي به بين الدول. والقاعدة الأكاديمية العلمية تبين من غير التباس أن الرقي والحضارة أمر لابد منه طالما أنه أصبح مشاعا ومتاحا وفي متناول العقول، وإلا من أبى! ومن ذا الذي يأبى أن يتقدم نحو الأفضل والأفضلية وتكون له الريادة وتدين له سيادة العلم والعلوم التطبيقية والتقنية. وقفت متأملا أستاذي/شاذلي والشعب التركي المتفرد، واحترمته في ذلك الشأن وكل المقتنيات الأثرية لصدر الإسلام الأول بحوزتهم أمناء وحفيظين عليها وقد تشرفوا حد البذخ بعظمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام وأشياؤهم الشخصية الكريمة في حدقات العيون عند كل مساء وفي صباح كل يوم جديد، والتاريخ يخبرنا أنهم أي الأتراك قد خبروا الإسلام بعد الدول العربية بحقبة ليست بالقصيرة بحساب الأزمان المتحركة. يشهد الله حزنت كثيرا وأرض الحرمين الشريفين مهبط الرسالة والوحي كمثال تخلو تماما من ذلك المجد والشرف الرفيع حتى إني قد توقعت أستاذي/شاذلي أن تفاجئ القارئ وتقول إنكم قد وجدتم جبل أحد قابعا بأحد أركان ذلك المتحف السعيد (قصر توب كابي). شكرا كريما شعب تركيا الجميل وأنتم نيابة عن الدول العربية والإسلامية جمعاء تحتفظون بإرثنا وتاريخنا التليد، فنحن... قد شغلتنا أموالنا وأهلونا ولم نتفرغ بعد لمثل هكذا عمل. مقتنيات السلاطين وتفاصيل حياتهم وقصورهم كانت الذهب والكرستال والفضة والمجوهرات بكافة أنواعها، والحرير وملاعق الذهب والفضة هي حياة مترفة وباذخة تسمو عند الجماليات والفخامة والماديات بكل أشكالها، وفي الوجة الآخر جانب الأنبياء والرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الأكارم، فلا ذهب ولا فضة ولا حرير ولا كرستال ولكن الروحانيات تسمو على كل شيء والقيمة هنا تتجاوز عرض الدنيا الزائل الذي تأملناه في الجانب الآخر، لا أسكت الله لك حسا عزيزي الشاذلي ولا كسر عدو لك قلما، لعمري إن هذه السطور العميقة في مدلولها تصبح وفد مقدمة جيدا وبامتياز لأي رسالة مناقشة جادة لباحث طموح ومجيد يود أن يرفع ذاته بدرجة علمية مرموقة، فالمكتوب منها يعد فاصلة مفصلية ما بين الحق الأبلج والباطل المتلجلج. حسين الهادي عبدالرحيم ميرغني القضارف