فأفنيت علاتي فكيف أقول لي بأرضك كل يوم حاجة ولا لي كل يوم إليك وصول { فعلتها عدة مرات بين يدي افتتاح سد مروي، وكان الناس يذهبون ليشاهدوا الطاقة الكهربائية الهائلة التي تُنتج في «مشروع المقرن» ذاك، وكنت في المقابل انتهز الفرصة بعد الأخرى لزيارة السد لأتزود شخصياً بطاقة تحركني وتؤهلني إلى أن أبعث الأمل في قلوب عشرات الآلاف من القراء. فماذا سيقدم كاتب استنفدت كل «مستودعات أمله» ونفد مخزونه الإستراتيجي من الأماني والأشواق. فأمدنا مشروع سد مروي ب«طاقة أمل» عشنا وتحركنا بها لسنين عددا، ثم مرت علينا من بعده سبع عجاف، كان إنتاجنا فيها «كلام ومنتديات» ومشاكسات، ثم من جديد ظللنا نقلب وجوهنا في السماء، حتى تلقينا ذات يوم وسيم هاتفا يدعونا إلى أن نولي وجوهنا شطر بحر أبيض، وأنه لعمري مشروع قرن آخر، فقد وفَّر لي على المستوى الشخصي «طاقة أمل» كنت أحتاجها بعد أن مُلئت الأرض «جوراً وكلاماً» لا يسند صلباً. فمنذ عودتي من تلك الرحلة رأيت أني بحاجة إلى أن أزور هذا المصنع سبع مرات، ولسان حالي يقول:«ولي بأرضك كل يوم حاجة، ولا لي كل يوم إليك وصول». بالأمس لم أتردد في أن «أُثني» زيارتي «لسكر النيل الأبيض» في ركب فخامة الدكتور جلال يوسف الدقير، مساعد رئيس الجمهورية، في نسخة جديدة من رحلاته التفقدية لهذا المصنع، وفي كل مرة نكتسب إلى جانب «طاقة الأمل والدفع» معلومات جديدة، وكان أحد (شُراح) هذه الرحلة السيد المرضي «رجل كنانة» الأشهر ولا يحدثك مثل خبير، فكنانة هي المقاول والمهندس والأم الرؤوم لسكر النيل الأبيض، فما منع الحياء الدكتور الدقير أن يقوله عن نفسه وأدواره، وهو رجل شديد التهذيب وشحيح الحديث عن أدواره، ما لم يقله الدقير قاله السيد المرضي، بأن «ملحمة التمويل الأولى»، وهي أشرس الملاحم والمراحل في تشكيل هذا المنجز الهائل، قد نهض بها الدكتور الدقير وتولى كِبرها إبان وزارته ورئاسته لمجلس الإدارة، وهي ملحمة قد أسفرت عن توفير مليار ومائتي مليون دولار، هي كلفة مشروع سكر النيل الأبيض، هذا المشروع الذي سيدخل بعد أسابيع إلى مرحلة الإنتاج التجريبية التي يقدر لها أن تبلغ مائة وخمسين ألف طن، لتتوالى المراحل حتى تصل طاقتها القصوى إلى خمسمائة ألف طن. ولقد تبارى المهندسون المقيمون، المهندس يوسف أبو ستة، الفاتح عوض وعمر حسين، وبطبيعة الحال المدير حسن ساتي، لقد تباروا في شرح تفاصيل هذه الدهاليز الشاهقة والمزارع الممتدة حد البصر والبيارات، وكل تلك المكتسبات التي صنعت بأيدٍ سودانية، حيث أصبحنا كأمة سودانية نرتكز على تاريخ تراكمي هائل في «صناعة السكر»، ولقد أثبتنا وجودنا في هذا المضمار، فكل الصناعات التي تزامنت مع صناعة السكر قد تأرجحت وتهاوت، بما فيها صناعة النسيج، إلا السكر الذي أثبت وجوده، وعما قريب ستصبح ولاية النيل الأبيض بامتياز «ولاية السكر والتاريخ والإرادة»، عندما تبلغ مصانع سكرنا عشرة مصانع، وهي صناعة نمتلك لها الأرض والماء والرجال والإرادة وجلال الدقير. { قلت للدكتور الدقير في نهاية هذه الرحلة، أعطني سطراً لم يقله الآخرون، بصفتك أحد أبرز نجوم هذا (المونديال)، مونديال السكر، قال الرجل «المساعد»، أكتب عني «إن هذا المصنع هو الأكبر من نوعه في العالم كمشروع متكامل»، وهو الأرخص كلفة إنتاج، وهو إنجاز وطني هائل. ثم لا ينسى الدكتور الدقير، سليل الأزهريين وبقية مما ترك لنا الراحل الشريف حسين الهندي، في زحمة هذا البرنامج أن يوجِّه نداءه للسودانيين، أما آن لنا أن نكف عن صناعة طواحين الهواء التي تنتج المزيد من البؤس والفقر، وأن نتجه إلى طواحين السكر والعطاء والإنتاج، فالمزيد من الإنتاج سيحقق الاستقرار في كل الأصعدة، على أن التحدي الذي سيواجهنا كأمة هو التحول إلى «حقول الإنتاج»، ولهذه الأشواق بقية. { أيضاً رافقنا في هذه الرحلة «رجل اقتصاد الحزب» الأستاذ الزبير أحمد الحسن ووزير المالية السابق، وسنتعرض إلى إفاداته في حلقة قادمة بإذن الله تعالى، وكان الدكتور كمال عبيد، رجل الفكر والإعلام، مستمع جيّد لتفاصيل هذه الرحلة، «رحلة السكر السودانية»، رحلة الأمل والإرادة والحياة ويا لها من رحلة. { مخرج.. كيلة فتريتة واحدة أفضل من ألف خطبة عصماء لا تقوى على إطعام فقير!.