{ لما نهضت في مواسم سحيقة سابقة (الحملة القومية ضد البسكويت الفاسد)، لم يملك كثير من الزملاء من حملة الأقلام، لم يملكوا إلا شرف الانضمام إلى تلك الحملة الوطنية الهائلة، إلا أنا بقيت كالسيف وحدي، وكان عزائي أن إخواناً لي سيثأرون (لفساد البسكويت)، وأصل (حكاية البسكويت)، أن الجماهير والنخب قد استيقظت ذات يوم حزين على نبأ أن (البسكويتات المعروضة في كل بقالات المدينة هي بالكاد فاسدة)، فكانت الصحف والإذاعات والمنتديات وبيوتات الأفراح والأتراح، والناس على قارعة الطرقات لا حديث لهم سوى عن (البسكويت الفاسد)، ولا معركة تعلو على معركة البسكويت! وربما تتهم (بالخيانة الوطنية العظمى) إن تخلف قلمك عن تلك الحملة.. والأحزاب الآن بالكاد مشغولة للآخر (بالحكومة العريضة الكاسدة)! { ظلل أتأمل في عبارة (طواحين الهواء) التي أطلقها (رجل الأشقاء الكبير) الدكتور جلال الدقير منذ يومين، ونحن نترك الخرطوم وراء ظهرنا (في مواسم أعياد السكر) في طريقنا إلى النيل الأبيض. حيث برعت أحزابنا السودانية في إنتاج وتسويق (طواحين الهواء) التي لا تقوى على صناعة (وقية سكر) أو كيلة فتريتة واحدة لشعب سأم (صناعة الكلام)، فكيس خبز واحد خير له ألف مرة مما طلعت عليه شمس تلك الخطب العصماء على المنابر العجفاء! { وقبل أن أذهب بعيداً، وللذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، عمّا يتساءلون، عن طرب مؤسسة الملاذات في محافل الاتحاديين، فمنذ أيام قد قال لي السيد تاج السر محمد صالح، القيادي في الاتحادي الأصل، (إن في ملاذاتك نفس من الاتحاديين)، وكنا لحظتها (بصالة كزام) نحتفل بأعياد (الأهرام)، فقلت له: (أنا من ذرية آمنة بت النور) وهو يدرك سر وسخرية هذه العبارة، وهي والدة السيد علي الميرغني -رحمه الله- وقد تربينا في بيئة ختمية، وإن ذهبنا في ركاب ظلال الشهيد سيد قطب... غير أن علاقتي الفكرية بالأزهريين هي قناعتي بأن ما جاء به الأزهري وسارت عليه ركاب الإنقاذ، إنه لعمري ليخرج من مشكاة واحدة، أعني مشكاة التحرر والانعتاق والكبرياء والإنتاج والاستقلال، فلئن كُتب اقتراع وبطولة رفع (العلم فوق سرايا القصر الجمهوري) باسم الأزهري وأشقائه، فقد كتب استخراج النفط وصناعة السدود باسم العمريين، لرمزية الرئيس عمر البشير، ولهذا وذاك لما أجد رجلاً في قامة الدكتور الدقير، قليل الكلام كثير الفعال، يفتأ (يعافر) في دهاليز مصانع الإنتاج، فلا أستغرب ذلك، فإنه يومئذ يمشي في ذات المضمار الاستقلالي، فالأعلام لا ترفع وترفرف فوق ركاب الخراب، ولما رفعت الإنقاذ وحزبها الحاكم الرجل الدقير إلى درجة (مساعد الرئيس) فكما لو أنها تعيد رفع العلم فوق سراي القصر الجمهوري وتعيد التاريخ، فمن أولى بالقصر منهم، فهم الذين رفعوا رايته الأولى، وهم الذين سيحافظون على رفعتها. { وأصدقكم القول، لمّا ذهبت يومها لأتابع مجريات المؤتمر التنشيطي للحزب الحاكم، ثم وجدت نفسي أرجع وأكتب عن (كلمة الدكتور الدقير)، وهي قد فرضت نفسها على قلمي، لم أكن يومها أعرف الرجل عن قرب ولم يكن يومها مساعداً للرئيس، غير أن الرجل الذي يرتكز على (حزب الوفاء والاستقلال) قد بعث لشخصي الضعيف بالصحيفة بثلاثة من كبار رجاله ليبلغوني رسالته التي تتشكل من كلمة واحدة (شكراً)، ما أثقل هذه الكلمة التي حملها ثلاثة رجال أزهريون، ثم يلحقها بمهاتفة عملية أخرى، وذلك لاصطحابه في رحلة صناعة السكر، وأنا أعرف أني سأدفع ثمن (ملاذات السكر بكثير من الهواجس والظنون ولكني لا أبالي عندما أترك الخرطوم ورائي مشتغلة بالبسكويت الفاسد)، وسقوط النظام، فهذا التجمع المعارض لم أسمعه يوماً واحداً يتحدث عن الإنتاج، بل ماذا سيضيف حديثهم الكثيف عن (قفة الملاح) إلا رهقاً، وهم الذين لم يكن في تاريخهم (مزرعة تبش) أو (حوض ملوخية) أو (مزرعة بنضورة)! { وهل كانت مصادفة، سيدي الدقير، أن ترفع علم الإنتاج فوق سرايا (شركة سكر النيل الأبيض)، بين يدي أعياد الاستقلال، كما لو أنك بهذا تريح الأزهري في مرقده يوم عيده، على أنه لا زالت أجيالكم ترفع المزيد من الأعلام وتضئ المزيد من القناديل والشموع.. مخرج.. (فصحن الصيني) الذي يسعى الآخرون لتكسيره، فها أنتم (يوم الاستقلال) تملأونه بالسكر.. والسلام