ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الخبير عبدالرحيم حمدي في حوار الراهن الاقتصادي (3-3)
نشر في الأهرام اليوم يوم 29 - 12 - 2011


حوار- فاطمة مبارك – بهرام عبدالمنعم
قبل وقوع الانفصال فعلياً كان واضحاً لجميع الناس أن المشكلة الأساسية تكمن في اقتصاد دولة السودان على خلفية ذهاب معظم البترول لدولة جنوب السودان، وعدم وجود بديل إنتاجي سريع لإحداث النقلة المطلوبة في الاقتصاد، واكتملت هذه الصورة حينما واجهت الحكومة عملياً هذا الواقع، الذي انعكس في شكل معالجات جزئية تمثلت في رفع الدعم عن بعض السلع الذي ظهر في ارتفاع الأسعار. في الجانب الآخر أدّت هذه التغييرات التي طالت الصعيد الاقتصادي إلى ارتفاع سعر الصرف ونسبة التضخم، في خضم هذا الوضع قدّمت الحكومة ميزانيتها الجديدة للعام (2011 - 2012م) التي وجدت قبولاً واستحساناً من بعض المختصين والخبراء، فيما واجهها آخرون بانتقادات حادة. (الأهرام اليوم) اهتمت بقضية الوضع الاقتصادي الراهن وحاولت تقديم صورة لمآلاته في المستقبل فالتقت الخبير الاقتصادي المعروف ووزير المالية الأسبق عبدالرحيم حمدي في حوار شامل تناول مجمل قضايا الراهن الاقتصادي فإلى تفاصيله..
{ كيف تقرأ ميزانية الجمهورية الثانية التي أثارت جدلاً في البرلمان؟
- (ياتو جمهورية ثانية، دي، أين الجمهورية الثانية)؟ أنا أقرأ ميزانية الحكومة التي يقدمها وزير المالية، سمها أنت كيفما شئت، أنا قلت إن الميزانية لن تؤثر في الاقتصاد، ولن تعمل عملاً مفيداً للاقتصاد السوداني، لأنها تفتقر للموارد، وزير المالية قال إن هذه الميزانية غير مرنة وليس فيها إيرادات، ولا يحتاج إلى شخصي لكي أقول مثل هذا الحديث عنها، الميزانية لن تساهم في العملية الإنتاجية. وعليهم أن يجيزوا الميزانية ويشتغلوا عليها، وزارة المالية والوزارات الأخرى لديها تشغيل وهكذا، أنا أتحدث هنا عن الاقتصاد وهو خارج الميزانية، الاقتصاد أهم لي من الميزانيات، الميزانية صحيح أنها تؤثر على الاقتصاد لكن الأشياء التي تؤثر في الاقتصاد، فالميزانية ليس لديها إيرادات تحرك بها الاقتصاد، والإنتاج، وسعر الصرف، علينا أن نعتبرها ميزانية (سد فرقة).
{ واضح أن الميزانية بعجزها الراهن ستؤدي إلى مزيد من الإشكالات أليس كذلك؟
- الميزانية الراهنة لن تخدم التنمية أو الاستثمار أو الصادر أو غير ذلك، الميزانية ومعها كذلك السياسات النقدية الأخرى، إذا لم يحدث تغيير جذري، بعمل إضافات للميزانية وإحداث تغيير جذري للسياسة النقدية، بما فيها سعر الصرف، فلن تحدث تحولات على صعيد الاقتصاد، هذه البلاد ليست لديها إيرادت وهذا الأمر مرتبط بتغيير السياسات النقدية، السياسة النقدية ضرورية للبنوك لكي تنتج، وبنك السودان يضخ أموالاً للناس بغرض تحفيزهم على الإنتاج، مثلاً إذا أرادت الحكومة أن تنتج قمحاً وثروة حيوانية زيادة، لا بد أن تكون هناك استثمارات هائلة جداً، لكن من أين سنأتي بالأموال لهذه الاستثمارات؟
{ برأيك كيف يمكن الحصول على أموال لهذه الاستثمارات؟
- كلنا مقتنعون تماماً بالبرنامج التنموي الموجود، فجزء منه يمكن أن يمول من الاستثمار الخارجي، من خلال دعوة المستثمرين الأجانب، وطرح لهم مثلاً حوالي (10) مصانع سكر وهكذا، هناك مشروعات جاهزة وهائلة جداً، الجزء الأكبر منها على المستوى الصغير، والاقتصاد عادة لا يقوم ب(10 - 15 ) مشروعاً كبيراً لكنه يقوم بملايين المشاريع الصغيرة، أضف إلى ذلك الخدمات، الآن أهم قطاع نامٍ هو قطاع الخدمات، تجاوز الزراعة وأصبح (45%) بينما الزراعة (35%) من الناتج القومي الإجمالي.
{ لماذا؟
- لأن فيه ملايين من الأيدي العاملة، (السواقين الذين يسوقون البصات الكبيرة إلى مدينة عطبرة، بورتسودان)، بجانب الأيدي العاملة في ذلك القطاع، هذا هو القطاع الوحيد النامي، بالإضافة إلى التوزيع الذي يتمثل في وجود سيارات بأعداد هائلة تقوم بتوزيع المياه والأدوية، وغيرها، هذا بجانب قطاع الاتصالات، لدينا (23) مليوناً يتعاملون في قطاع الاتصالات، وهذا هو القطاع الذي يحتاج إلى التحريك بالإجراءات التي ذكرتها، عليك أن تعطي أموالاً (شبه مجان للناس)، ملايين الناس تعطيهم التمويل الصغير، وتقوم برفع المرتبات والمعاشات، وتحريك قطاع البناء، وتخفيض رسومه خاصة الحديد والأسمنت، وعندما تتعلل لأصحاب مصانع الأسمنت بعدم وجود (الفيرنس) وتطالبهم بالذهاب إلى جهة لشرائه، عليهم ألا يذهبوا إلى بنك السودان وإنما يتوجهون إلى السوق الأسود، وهو السوق الحر، لشراء (الفيرنس)، والسعر سيزيد مستقبلاً، الآن المصانع متوقفة أو تنتج بمستوى متدنٍ لعدم وجود (الفيرنس)، لأن الحكومة ليست ملتزمة بتوفير الفيرنس لتلك المصانع، وتقول إنها ليس لديها فيرنس، وعليكم التوجه إلى سوق الفيرنس باعتباره سوقاً عالمياً، ونحن أيضاً نستورد، بالسعر الرسمي لكن ليس لدينا أموال، لذلك سنضطر إلى شرائه، وهذا يعني وجود الحرية الكاملة، وعند حساب العملية الإنتاجية، سنجد أن سعر طن الأسمنت قد يرتفع من (320) ألفاً إلى (330) ألفاً، لكنه لن يصل إلى (600) ألف الحالية، الذي يريد أن يصدر عليه التصدير، ولا توجد رسوم، وهكذا، العملية هذه إذا لم تسير بهذه الصورة فلن نساعد بعضنا البعض، (لا يمكن أن تربط يدك اليمين مع رجلك الشمال وتمشي، إلا تقعد تنطط زي الكنغارو، بتمشي لكن بعد شوية نفسك بنقطع وتروح واقع)، فهذا هو ما يحدث الآن، نحن (الآن مكتفين من خلاف، ومطلوب مننا رغم ذلك التحرك والإنتاج).
{ السيد حمدي هل فعلاً أن السياسي لا ينحني للعاصفة كما قال أحدهم في البرلمان؟
- يبقى ما سياسي، السياسي إذا لم يمارس الانتهازية والانحناء للعواصف لن يكون سياسياً ناجحاً، أنجح السياسيين هم الأكثر انتهازية وأكثرهم انحناءً للعواصف.
{ دعم البنزين أثار جدلاً بين السلطة التشريعية والتنفيذية في البرلمان ما رأيك أنت؟
- الدعم غير صحيح، أنا شخصياً لا أوافق على دعم السلع، وإنما أقول ادعموا الأفراد، وأنا من أنصار توزيع الزكاة نقداً للأفراد، ورفع مرتبات الأفراد ومعاشاتهم، لممارسة خياراتهم، إما صرفها على تعليم أبنائهم في السودان، أو صرفها على البنزين، أو الادخار في (شهامة) لمستقبل أبنائهم، الزكاة حكمتها في الصرف النقدي، الدعم يجب أن يذهب نقداً إلى الأفراد المستحقين، وأنا مع حجة وزير المالية أن الدعم السلعي يستفيد منه الأغنياء، وقبل أسبوع دُعينا للاستماع إلى تقرير من البنك الدولي، اتضح فيه أن هناك الدراسة أُجريت في السودان ووجد أن من كل (14) جنيه دعم هناك (جنيه واحد) يذهب إلى الفقراء والباقي يذهب إلى الأغنياء.
{ كيف يحدث ذلك؟
- الدعم يذهب إلى الأغنياء لأنهم الأكثر قدرة على شراء السلع المدعومة، لذلك الدعم يجب أن يكون نقداً ويذهب فوراً إلى الذين يستحقونه، إذا كانت لديك (400) مليون تريد أن تدعم بها السلع، عليك أن تعطيها ل(400) ألف أسرة مستحقة صغيرة، وليس لأسر غنية، فأنا مع الدعم للأفراد نقداً، وهذه هي حكمة الزكاة، التي لم نتعلمها كاقتصاديين من جامعات الغرب، وبهذه الطريقة دعم السلع يذهب إلى الأغنياء، ويحصل فيه تهريب وشغل كثير جداً.
{ ألا ترى أن هناك تأثيراً مباشراً على الفقراء الذين يقودون مركبات تجارية في حالة رفع الدعم عن البنزين؟
- أنا أتحدث عن الدعم بصورة عامة، والوزير يريد رفع الدعم عن البنزين لتوفير موارد للدولة وهذه لا تحتاج إلى خُطة، فهو يتحدث عن دعم للشرائح الفقيرة (250) أسرة، نحن بالمناسبة في أول عهد الإنقاذ دعمنا (500) ألف أسرة بمبلغ (800) جنيه شهرياً وفي ذلك الوقت لم تكن لدينا موارد، أنا الآن (مستغرب في القصور الحاصل ده)، واعتبره ضعفاً شديداً جداً، قصة البنزين الجميل فيها أن القرار إذا صدر الساعة (11) مساء، الساعة (6) صباحاً تستلم الإيرادات، لأن هناك جهازاً كاملاً، آلاف المحطات المتعلقة بالبنزين شغالة، وسريعة، وتمثل مورداً مريحاً جداً، الخيار الثاني هو أن تأخذ هذه القروش وتعطيها للناس نقداً وهذا صعب، لأنك تحتاج إلى تصديق وإجراءات وغيرها.
{ لكن رفع الدعم عن أي سلعة سيقود إلى ارتفاعات أخرى؟
- نعم توجد حافلات وبصات تستخدم البنزين، الآن ستات الشاي يربطن سعر الكباية بسعر الدولار، التضخم في بعض البلدان وصل إلى (400) ألف في المائة، في ألمانيا زمان عندما يصرف الناس المرتبات (يجروا جري للحصول على رغيفة، وشايلين ليهم شوال قروش،) في العصر الحديث بالبرازيل وصل التضخم إلى (4) آلاف في المائة، الناس دخلت في هلع لأن القروش أصبحت ليس لها قيمة، الآن في الكنغو وصل التضخم إلى (5) ملايين في المائة، العملة الكنغولية مقابل الدولار وصلت (5) ملايين مقابل الدولار الواحد، الآن حكومة موغابي الأخيرة وصلت إلى أرقام فلكية، وعندما تصل (القروش) إلى مرحلة عدم القيمة، فعلاً تبقى ما عندها قيمة، فالناس لديهم القابلية للمضاربة على الأسعار، حتى لو كان صاحب الحافلة يعمل بالجاز أيضاً سيرفع الأسعار، لأنه رأى كل زملائه قاموا برفع الأسعار.
{ كيف تنظر لمستقبل العلاقة الاقتصادية بين الشمال والجنوب؟
- البترول أحد المشاكل بين الشمال والجنوب، العلاقة بين البلدين إذا سادها نوع من التفاهم والتعاون وأصر على ذلك الطرفان، فإن مشكلة البترول يمكن حلها، لأن أي بترول يمر بأنبيب دولة أجنبية سيدفع مقابله رسوم، والاتفاق حوله ممكن، وكانت هناك رسوم تدفع للشركات، وكان يمكن أن تتخذ أساساً للتفاوض بين الدولتين، لكن العلاقة ولدت في رحم الخلاف والجو الفظيع من التشاكس الذي استمر لأكثر من (5) سنوات، هذا عقد كل شيء، الحدود كان من المفترض أن تخدم التجارة، ونحن في هذا الموضوع سبق أن تفاوضنا مع أثيوبيا لتوسيع تجارة الحدود، لكن مع الجنوب الذي كان جزءاً من السودان القضية أصبحت بالعكس ومنعنا السلع من العبور إلى الجنوب، فهذه كلها تحتاج إلى عودة مناخ الثقة بين البلدين، لأن الطرفين مستفيدان ومتضرران في ذات الوقت، فلا بد من عودة المناخ الودي، وأعتقد ان مشكلة البترول (ساهلة جداً)، لأن البترول موجود في نقطة محددة ويجب أن ينتقل عبر الهياكل وعمليات الضخ والتجميع والتصدير، والمشكلة الوحيدة تكمن في السعر، ويمكن أن يتفق الناس على هذا السعر، ونحن في الشمال إذا حاولنا حل كل مشاكلنا بهذا السعر فهذا الأمر سيكون غير ممكن، ودولة الجنوب إذا أرادت أن تدفع لنا نصف دولار مثلاً للبرميل فهذا سيكون نوعاً من الاستهانة، لذا أقول إن كل هذه المشاكل لم تولد في مناخ ثقة بين البلدين، هذه هي القصة التي (لخبطت) الحكاية، الانفصال ولد في مناخ تشاكس شديد استمر من بداية توقيع الاتفاقية في 2005م وتفاقم جداً في الأونة الأخيرة، والمفاوضات كانت متعثرة، حتى اقتراب مواعيد الانفصال.
{ دولة الجنوب اعترضت على سعر نقل البرميل الذي قررته حكومة الشمال فهل هذا السعر متعارف عليه عالمياً؟
- لا أريد التعليق على الأسعار العالمية، هذه مسألة اقتصادية وكل دولة تفرض رسومها بشأن نقل النفط، العام الماضي سمعنا أن روسيا أوقفت الغاز عن أوكرانيا، إلى أن رفعت السعر، هذه مسألة تتم عبر التفاوض، لكن المهم إذا اردت الاستفادة عليك أن تجعل البترول ينساب لتأخذ أموالك أو تأخذه عيناً، وأخذه عيناً هو مبدأ مقرر حتى في التعامل مع الشركات، وفي الماضي عملنا هذا الأمر، الحكومة عندما يضيق حالها كانت تتصل بالشركات وتطلب منها التنازل عن الشحنة المعنية دون مقابل على أن تعوضها شحنة أخرى مستقبلاً، والمسألة كانت مستمرة كنوع من التعاون، لكن ما يحصل الآن هو نوع من المشاكسة والمعاندة غير الضرورية، والمتضرر هو المستهلك في الشمال والجنوب.
{ الرسوم المفروضة على البترول إلى أي مدى يمكن أن تدعم الشمال؟
- ستدعم جزئياً لكنها لن تسد (الفرقة) كلها، لا يمكن أن يكون سعر نقل البترول يساوي سعره، لا يوجد شيء من هذا النوع في كل العالم، الشمال طالب بسعر عالٍ ليحل كل مشاكله وهذا غير معقول.
{ في ما يتعلق بتجارة الحدود ما هو تعليقك؟
- تجارة الحدود لا بد من فتحها كما عملنا نحن مع تشاد، وأثيوبيا، الآن إغلاقها سيوقف تصدير السلع، وسيشجع على التهريب، وهذا سيضر دولة الشمال، لأن الجنوب سوق متاح لنا، فلا بد من ترك الجنوب مفتوحاً لأن لدينا (180) سلعة تدخل إلى الجنوب، عند إيقافها فإن المتضرر الأول هم المنتجون لهذه السلع، من الذرة والبترول، فأي سلعة تدخل الجنوب دعها تدخل، وتدخل كذلك أريتريا وتشاد لتعود إلينا بالأموال، إذا وجد فائض منها، ولم يتم منع تصديرها فالأسعار الداخلية أحسن، وهذه نقطة ثانية ضد الدعم، وأسعار البترول أيضاً إذا كانت رخيصة فسيتم تهريبه وبيعه بأسعار مرتفعة في الخارج، لذلك أنا مع أن نتركه يباع داخلياً داخل الاقتصادي السوداني بالأسعار المعقولة، والدخل يأتي إلى السودان (مش يمشي للناس البرة،) لأن هذه الطريقة جعلتنا نشتري سكر كنانة من السعودية، وهذه تعتبر من أخطر الأشياء المتعلقة بالدعم، لذلك أنا لا أريد أن يستمر الدعم سلعياً، بل ينبغي أن يكون نقدياً للناس، والسلعة تمضي بسعرها الحقيقي، جوال سكر كنانة يباع بسعره الحقيقي، سعر معقول بربح معقول، تفادياً لعدم إيقاف شركة سكر كنانة، لا بد من إعطائها الحرية السعرية بصورة معقولة وهذا يتم بالتفاوض، الآن لو أنشأت (20) مصنع سكر وقلت لهم السعر حر، إذا عمل أحدهم السعر ب(200) سيجد الآخرين شغالين ب(160) و(170)، السلاح الحقيقي لتخفيض الأسعار هو كثرة الإنتاج والمنافسة المفتوحة، لأنه لا يوجد أحد يستطيع أن يفرض شيئاً على الناس إلا إذا كان لديك ماركة محددة كماركات (أحمر الشفاه) مخصوصة جداً ويحتاجها أناس محددون، (مستعدين يدفعوا أي سعر فيها)، لكن سلع الجمهور لا بد أن نراعي فيها السوق، عن طريق المنافسة والإنتاج الوفير، لأنك إذا لم تيسر للناس الإنتاج الوفير، وأي حاجة من إجراءات المتعلقة بهذا الشأن فإنه لن يحدث إنتاج وفير، عندئذٍ ستحدث الندرة، التي تدفع إلى التهريب والحركات الكثيرة جداً، الندرة والغلاء يمكن أن تتسبب فيهما أنت دون أن تقصد، هذه الإجراءات مهمة جداً لتخفيض الأسعار، والأسعار لن تنخفض في الوقت الراهن لماذا؟ لأن هناك طلباً هائلاً على السلع، توجد مقدرة هائلة عند الناس للشراء، والسبب أن (الحكاية ناجحة والناس جاتا قروش) والاقتصاد نما نمواً شديداً جداً، لذلك لا يمكن أن يعتقد أحد أن الأسعار ستنخفض بإجراءات إدارية، لن تنخفض هذه الأسعار، إذا كان هناك طلب ومقدرة على الدفع. المعالجات ينبغي أن لا توقف العمليات الإنتاجية نفسها، نحن عندما اقترحنا البرنامج الثلاثي لإنقاذ الاقتصاد عام 1992م قلنا إن الإجراءات سترفع الأسعار، لذلك لا بد من مساعدة الناس المساكين، يوجد ناس مقعدون، وآخرون لا دخول لهم بالمرة، الذي ليس لديه دخل، عليك أن تعطيه أموالاً مجاناً، نحن عملنا ذلك، أخذنا مليارات للزراعة الآلية المطرية المتخلفة، وقلنا لهم اصرفوها عليها ولا نريد منكم إرجاعها، لضمان زراعة الناس والاستقرار، بدلاً من الرحيل إلى العاصمة، وفعلاً الناس بدأت في الهجرة من الريف إلى المدينة، والمجاعة كانت شديدة جداً في التسعينات، الحل موجود في القرآن، وسيدنا يوسف عمل به، وأخوان سيدنا يوسف كانوا يأتون إليه من البادية ويعطيهم أموالاً ويكيل لهم، وكان التعامل كذلك مع ملايين الناس الذين كانوا يسكنون في البادية، خارج وداخل مصر، لأن السنين كانت عجافاً جداً، وهم لا يستطيعون الزراعة، لكن إذا أهملتهم سيأتون إليك في المدينة، وتزداد الجريمة، والضغط على الخدمات، (حكاية ما معقولة أبداً)، وهذه الحكاية لها سعر وتكلفة رهيبة جداً، لذلك من الأفضل أن تصرف الأموال في الأرياف، على الناس، من يريد الزراعة يزرع، ومن يريد الهجرة يهاجر.
{ الاستثمارات القطرية التي أعلن عنها مؤخراً في مجال السكر وغيره هل ستساعد في حل مشاكل الاقتصاد؟
- نظرياً يمكن، توجد اقتصاديات في العالم متحركة فقط بالدعم الخارجي، لكن الحكمة تتطلب أن لا تجعل كل أمورك عند الآخرين، الدعم الخارجي يأتي مكملاً للدعم الداخلي، الدعم الداخلي تعمله أنت بسياساتك وتتحمل سعره، وتكلفته، لكن لو جلسنا في انتظار الدعم القطري والسعودي والكويت يمكننا أن ننتظر فترة طويلة جداً، لأن تلك الدول لديها مشاكلها، وأنا استمعت إلى برنامج في الكويت اتضح لي أن (90%) من الميزانية مرتبات، وجاءوا بخبراء كانوا ينتقدون جداً الميزانية الكويتية، وأنا شخصياً ذهلت، إذا الكويت لديها مشكلة فلماذا تعطينا؟ لذلك لا بُد أن نجلب الدعم بالإغراء الاقتصادي وليس (بالشحدة)، نطرح عليهم المشاريع، يستفيدون هم ونستفيد نحن، الاعتماد على الخارج يجب أن يكون محدوداً وبالطريقة صحيحة، وجذب الاستثمارات بالإغراء الاقتصادي فيه فائدة للطرفين، وإذا لم يأت بفائدة على الطرفين، فلن يأتي (لسواد عيوننا)، توجد بلدان تعيش على الدعم الخارجي، لكن إذا حدث خصام فإن الدعم سيتوقف وينهار الاقتصاد.
{ جزء من أزمتنا حدثت انتكاسة في ما يتعلق بالتحرير الاقتصادي منذ بداية الإنقاذ؟
- الاقتصاد تحرر في 1992م وأعيد اعتقاله في أكتوبر 1993م، البترول (نفعنا فترة وغطى زيادة المصروفات في الفترة بين 2000 و2006م)، لكن منذ 2007م حصل تدهور شديد جداً في سعر الصرف من (2) جنيه إلى (2.5) ولأن بنك السودان فجأة وجد أنه صرف كل أمواله جل احتياطيه النقدي، وتبقى له شيء بسيط، وهذه سياسات خاطئة فيها إهدار للموارد، توجد دول أفريقية تحصلت على بترول وأهدرته، فتوقفت مشاريعها ووقفت في منتصف الطريق، السياسة مهمة جداً لإدارة الموارد، يمكن أن يكون لديك موارد كثيرة جداً، لكنك تهدرها بسياساتك، لمجرد سياسة دعم أو سعر صرف أو غيره، الآن لدينا كميات هائلة من الذهب، سياسة سعر الصرف أهدرت هذا المورد بدلاً من أن يكون لدينا (4) مليارات أصبح لدينا مليار واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.