مثل سائر الكيانات والأحزاب والمجموعات هنا وهناك ظل أهل الحركة الإسلامية تواقون، لا سيما وعلى مستوى القواعد، لمسألة الوحدة، وما إن لاحت بارقة أمل إلا وكان الكل يترقب عن كثب تحقيق هذه الغاية، فجاءت مبادرة نهر النيل ولكنها كالعرجاء تارة تتحرك وتارة تتنكب الطريق والمسار، وتارة تجد لها مشجعين من الطرفين وتارة لا تجد، وتحولت بفعل الآمال العراض إلى مذكرة رأب صدع والتي هي الأخرى ارتدت ورجعت لأدراجها كفكرة. نقول ما من شك إن مشروع المفاصلة بين أهل الحركة الإسلامية الذي تم في العام 1998 كان نقطة فاصلة في المشروع الكلي لثورة الإنقاذ الوطني، وما من شك أن كل المحاولات الداخلية والخارجية التي سعت في اتجاه رأب الصدع قد اصطدمت بالعناد بل لأكثر مما هي قد اصطدمت بمطلوبات السياسة ومعايير الحوار البناء، لأن طرفي النزاع يعتقد كل منهما أنه على جادة الطريق، حتى بدا جلياً للمراقب والمتابع أن المفاصلة حتى الآن لم تصل حد الخلاف المنهجي مما يتطلب في ذلك عدم قفل باب المحاولات الرامية لرأب الصدع وفي الحد الأدنى جعل الباب موارباً هنا، لكن التمنع الكثير بل والرفض أحياناً لمجرد المحاولات يجعل من المساعي المستمرة لتحقيق التوافق بين قوى الحركة الإسلامية لا بد لها أن تصطدم بالحاجز الوهمي الذي انبنى ربما على الرؤية الشخصية بين الجانبين وهذا ما نشاهده في كل القوى السياسية والأحزاب الأخرى. لكنّ قطاعاً عريضاً من المراقبين ما زالوا يعتقدون أن ما دار هو مثل ما يدور داخل الأحزاب الأخرى فهي وضعت الحركة الإسلامية في الحكم والمعارضة في وقت واحد وهذا منطق مفهوم في قواعد العمل واللعبة السياسية، فلقد جربت الحركة الإسلامية في مسيرتها الطويلة أن تعمل بانزواء بعيداً عن مناطق الحكم والسياسة، ثم جربت أن تمتطي صهوة جواد المعارضة وجلست بعد ذلك على كرسي الحكم، إذن هي الآن من منظور المراقبين البعيدين عنها تجسّد تماماً حقيقة أنها في الحكم والمعارضة معاً، ولكن أسلوب الإطلاق والمجابهة المتواصل يشير إلى تنامي الخصومة، وهذا جو من الطبيعي أن تنشط فيه المبادرات ومن الطبيعي أيضاً أن تموت المبادرات في مهدها. من هنا ننظر إلى المبادرة التي أطلقتها الحركة الإسلامية بولاية نهر النيل، هذه الولاية التي تحتكم إلى المرجعية الإسلامية حتى خارج الأطر التنظيمية، فأهل نهر النيل في غالبهم، إن لم يكن جميعهم، يرتبطون بمرجعيات دينية عرفت عبر تاريخ السودان القديم والحديث، وهي على مدار تجارب الحكم الوطني مصدر قيادة وريادة وربما انطلقت منها مبادرات لرأب الصدع في بدايات المفاصلة مثل مبادرة نبض القواعد التي انطلقت من جنوب ولاية نهر النيل ووقف على أمرها قياديون نافذون من الطرفين، كل يدفع في الاتجاه الذي يعبر عن وجهة نظره، فأصحاب المبادرة كانوا يلمحون إلى الضرر من هذه المفاصلة ويبدو أن المبادرة الأخيرة «مذكرة رأب الصدع» لم تنم أو تنبت في مثل أجواء مبادرة نبض القواعد، ولكن يبقى الأمل معقوداً طالما الغاية نبيلة، وعلى مبادرة نهر النيل أن لا تيأس ولا تشيخ وأن يمنحها الزمن صبراً وروية وأن تكون عنيدة حتى تتمكن من كسر مجاديف العناد، وفي ظل المتغيرات الآن وبعد رحيل خليل إبراهيم الذي كانت تمثل حركته وإن كانت ذات جهوية وقبلية، إلا أنها تحسب في منظور خلاف الإسلاميين، فهل تجدد حادثة رحيله مشهد الخلاف الذي نشأ لتنطلق مبادرات جديدة نحو التوحد؟!.