{ بدعوة كريمة من مكتب الدكتور عبد الرحمن الخضر، والي ولاية الخرطوم، شهدنا منذ يومين «ورشة توظيف الخريجين» التي نظمتها وزارة التنمية الاجتماعية بقاعة الشهيد الزبير بالخرطوم، والتي أمها عدد مقدر من رجال الأعمال والمصارف والإعلام، حيث قدمت ثلاث أوراق متخصصة، ومن ثم فتح الباب على مصراعية للمداخلات والتعقيبات، وسأقف هنا عند أهم بعض المحطات. { فالورشة التي يفترض أن تنظر في هذه القضية بكل أبعادها وزواياها وجدت نفسها تدور وتتوه في قطاع المصارف، وذلك لكونه المعني بمخاطبة أشواق تمويل مشروعات الخريجين، وفي رواية أخرى «الأسر المنتجة» والعمليات الصغيرة والمتناهية الصغر، بحيث أن هذا هو الباب الأكبر الذي يفترض أن يلج منه الخريجون إلى عالم التوظيف. { ومن مفارقات هذه الليلة التشغيلية أن أهم محركات دفعها لم يقل بها مصرفيون، فقد قال الآخرون عن المصارف ما لم تنتجه عقلية المصرفيين، فلقد كانت الإفادة المصرفية في هذه الليلة باهتة لدرجة الأسى والحزن، سيما مداخلة ممثل بنك السودان التي قطع فيها بأنهم في البنك المركزي غير معنيين بعمليات إنتاج الأفكار والمشروعات بقدر اهتمامهم بإصدار اللوائح التي تنظم السياسات الكلية لهذا القطاع، وربما تميزت بعض الشيء إفادة الأستاذ جمال إبراهيم ممثل بنك فيصل الإسلامي. { من جهته قال الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث: «من خلال الورش التي شهدناها في هذا الشأن قد تبين لنا أن المصارف مواعين قد صممت لمخاطبة الأثرياء ولا علاقة لها بالفقراء». { الأستاذ مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير آخر لحظة استحق لقب صاحب أذكى جملة في هذا المشهد وهو يطالب الورشة بأن تتبنى أطروحة «بنك الأفكار»، على أن الأزمة هي «أزمة أفكار»، وذلك على أرضية تأكيدات السيد الوالي بأننا لا نعيش أزمة تمويل ولا أزمة منشورات وقوانين، وأضيف هنا، صاحب هذه الملاذات، أطروحة «بنك الإبداع». { غير أن الطبيب الصيدلي الدكتور مندور المهدي، رئيس مجلس إدارة بنك الادخار، قد قال بجرأة شاهقة إنه قد وصل إلى قناعة بأن «العاملين داخل هذا القطاع» لن يكون بمقدورهم أن ينتجوا أفكاراً، بل هم «موظفون» ومستوعبون للآخر في تنفيذ اللوائح والمشورات. { الدكتور مندور قال بعجز المصارف في توظيف ثلاثة ترليون جنيه متاحة للتمويل الأصغر، لم تستغل البنوك من هذا السقف الكبير إلا نسبة ثلاثة بالمائة فقط، وعز ذلك لتعقيدات الإجراءات البنكية وتقليديتها. { المهندس الحاج عطا المنان رئيس مجلس إدارة بنك التنمية التعاوني الإسلامي قال إن هذه الأزمة تحتاج للتفكير بصوت عال وجماعي، وقد رفد الورشة بحزمة من المؤشرات و«المعوقات» التي تقف في طريق قطار تشغيل الخريجين. { قد تبلور رأي في هذه الورشة في تجاوز المصارف باتجاه «مؤسسات التنمية» الاجتماعية، سيما تعقيدات الطرح المصرفي الأخير الذي يقول بذهاب الخريج أولاً لمؤسسات الضمان التأمين والذي اعتبره البعض «هروباً مصرفياً» من ميدان المعركة! { لقد قالت هذه الورشة في «عقلية المصارف» غير المبدعة، لدرجة المناداة بصناعة بنك يفكر نيابة عنها، قد قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر، ذات الهواجس التي قال بها يوماً السيد الرئيس، ولما كتبتها مؤسسة الملاذات لم يملك «عباقرة» هذا الجهاز إلا أن يفصلوا أبشر الماحي ويسقطوا عضويته من «أمانة الإعلام»! { مخرج.. وهل كانت مصادفة أن تتزامن هذه الورشة مع احتفال اتحاد المصارف «بإنجازاته» وتوزيع الشهادات والميداليات على أعضائه وذلك عبر برنامج تلفزيوني مصور، إنهم لعمري يكرمون أنفسهم!