شهد العام الماضي ولادة أحدث دولة في العالم وهي جمهورية جنوب السودان بعد أن نال الجنوبيون حلمهم في الاستقلال عن الشمال إثر استفتاء تاريخي صوت فيه غالبية السكان لصالح الانفصال. لكن دولة الجنوب الوليدة استقبلت العام الجديد بمزيد من الموت والدمار بسبب الحروب القبلية والأمراض الفتاكة وتطورت الصدامات القبلية بين (اللاو نوير والمورلي) المندلعة منذ (6) أيام إلى مرحلة مخيفة في أعقاب مقتل (643) وجرح (954) مواطناً وصل منهم (160) إلى مستشفى جوبا في حالات حرجة. وقال مسؤول بارز بالأممالمتحدة السبت الماضي إن المنظمة الدولية عززت قواتها لحفظ السلام في بلدة (بيبور) التي تشهد اضطرابات في جنوب السودان وتقوم بنقل الغذاء جواً إلى المنطقة حيث أجبر العنف القبلي الآلاف على النزوح. وقالت منسقة الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية لجنوب السودان، ليز غراند ل(فرانس برس) إن منظمتها نشرت قوات بحجم كتيبة في بيبور لدعم الحكومة في حماية المدنيين. المتحدث الرسمي باسم الجيش الشعبي العقيد فيليب أقوير قال ل(الأهرام اليوم) إن الاشتباكات القبلية أدّت إلى عدم الاستقرار في الجنوب، لكنه عاد وأكد أن الحكومة تسيطر على الأوضاع الأمنية بشكل كامل في كافة الولايات. (1) منظمة أطباء بلا حدود أعربت عن قلقها العميق بشأن سلامة أكثر من (130) من العاملين لديها لاذوا بالغابات هرباً من الصراع بين قبيلتي (المورلي واللانوير) بالجنوب بولاية جونقلي. وكان حوالي (6000) مقاتل من قبيلة (النوير) هاجموا مدينة (بيبور) التي تقطنها قبيلة المورلي بسبب خلافات على الماشية ومناطق الرعي. وأوضح متحدث عسكري ل(بي بي سي) أن النار أضرمت في مستشفى وفي أجزاء من إحدى القرى في المنطقة. وجاء الهجوم في الوقت الذي كان حاكم ولاية جونقلي ونائب رئيس جنوب السودان يحاولان التوسط بين القبيلتين المتناحرتين. وكانت الأممالمتحدة قد حركت كتيبة من قواتها المقاتلة الجمعة الماضي إلى مدينة (بيبور) للحيلولة دون وقوع اشتباكات بين القبيلتين. المحلل السياسي جون سايمون أكد ل(الأهرام اليوم) أن حكومة الجنوب فشلت فشلاً ذريعاً في المحافظة على الأمن والاستقرار بدولة الجنوب، ونوّه إلى أن الصراعات القبلية ظلت بمثابة قنبلة موقوتة في السنوات الماضية وستظل في ظل تقاعس المسؤولين عن إيجاد الحلول اللازمة للأزمة. (2) عشرات الآلاف من أبناء المورلي فروا من مدينة (بيبور) خلال اليومين الماضيين خوفاً من الهجوم، ويطالب رجال قبيلة النوير بعودة النساء والأطفال الذين يقولون إن قبيلة المورلي اختطفتهم في شهر أغسطس الماضي، يذكر أن الخلافات القبلية أدت إلى سقوط حوالي ألف قتيل في جنوب السودان خلال الأشهر القليلة الماضية، ويعود السبب الرئيسي في اندلاع هذه المواجهات إلى التنافس على الماشية، حيث تمثل الأبقار أحد معايير المكانة الاجتماعية في جنوب السودان، وتشير الإحصائيات إلى أن غالبية ضحايا هذه المواجهات من النساء والأطفال، وأقدمت كلتا القبيلتين على اختطاف أطفال من القبيلة الأخرى خلال تلك الأحداث. جون سايمون عاد وأكد ل(الأهرام اليوم) ضرورة تدخل قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام في الجنوب ووضع حد للمواجهات القبلية وهدر الدماء التي ظلت تسيل بصورة مستديمة، موضحاً أن الظاهرة تستحق المواجهة دون دفن الرؤوس في الرمال تفادياً لاستمرارها في ظل الدولة الوليدة التي تحاول أن تقف على رجليها بعد تحقيق الاستقلال. (3) الدولة الوليدة لم تعان فقط من الحروب القبلية لكنها تعاني الأمرّين بسبب الأوبئة والأمراض إذ خصصت صحيفة (ذي إندبندنت أون صنداي) البريطانية أحد تقاريرها لمناشدة عيد الميلاد لهذا العام لصالح النظام الصحي بدولة جنوب السودان الوليدة، حيث تدعم منظمة ميرلين الخيرية مستشفى يمنح السكان الأمل بالحياة من جديد. واستهلت الصحيفة تقريرها تحت عنوان (الحرب الأهلية وضعت أوزارها، والآن تبدأ الحرب على المرض) بمشهد لحالة ولادة بمستشفى في بلدة نمولي بأقصى جنوب البلاد حيث تمكنت الطفلة ووالدتها من النجاة رغم إصابتهما بمرض الملاريا. وتقول الصحيفة إن دولة جنوب السودان التي أقيمت منذ ستة أشهر بحاجة إلى فترة انتظار طويلة حتى تستطيع الاحتفال بنظام صحي فعال. وأشارت إلى أن الولادة في جنوب السودان تحمل في طياتها خطر الموت، حيث تقضي واحدة من كل سبع نساء أثناء الولادة، لا سيما أن (90%) من الأمهات ينجبن في المنازل. ولكن ذلك يختلف في نمولي حيث المرافق بدائية، ولكن الأدوات معقمة والموظفون مدربون والغرف نظيفة. وتشير الصحيفة إلى أن معظم الوفيات التي يتم الإعلان عنها في جنوب السودان كانت تلك الآلاف التي قتلت بالصراع مع الشمال، ومع ذلك فإنها تبقى ضئيلة مقابل الأعداد التي تذهب ضحية غياب الرعاية الصحية الأساسية. (4) حكومة الجنوب رفعت حالة الاستعداد الأمني إلى النقطة الثانية، وأعلنت حظراً للتجوال يبدأ من الثامنة مساءً وينتهي عند السادسة صباحاً، خوفاً من اشتباكات بين النظاميين من أبناء قبيلتي (اللاو نوير والمورلي) داخل عاصمة دولة جنوب السودان، ومنحت أبناء القبيلتين عطلة عن العمل حتى الخامس من يناير الجاري. بجانب تكثيف الحراسة حول مقر إقامة القيادات الجنوبية، ودعم فرق الحراسة الشخصية بوحدات من الأمن الرئاسي. التحوطات جاءت بعد تفجر الأوضاع في دولة الجنوب عقب انهيار الأوضاع الأمنية في ولاية جونقلي وسقوط مقاطعة (البيبور) وحرقها بالكامل بأيدي اللاو نوير، وتدمير رئاسة محافظة المقاطعة. في حين عقد مجلس وزراء حكومة جنوب السودان جلسة طارئة لبحث تداعيات الصدامات بين القبيلتين بغية إنقاذ الوضع الأمنى المتردي. (5) عدد القابلات القانونيات اللاتي يحملن شهادة الدبلوم على مستوى جنوب السودان يقل عن عشرة. ولكن النظام الصحي في جنوب السودان يواجه جملة من العقبات منها الافتقار إلى الأطباء الأكفاء والممرضين الذين ينتمون إلى تلك المناطق، وإلى الأدوات الطبية والمعدات اللازمة في العيادات. فوفقا لتقرير الأممالمتحدة فإن عدد القابلات القانونيات اللاتي يحملن شهادة الدبلوم على مستوى البلاد بأسرها يقل عن عشرة. ويقول الطبيب ديفيد نيومبا سيلفستر الذي يعمل في مستشفى نمولي إن النظام الصحي سيئ للغاية، وتوجد قدرة محدودة للتغطية الصحية. وتشير (ذي إندبندنت أون صنداي) إلى أن ثمة تسعة مستشفيات فقط في جنوب السودان، والحصول على المساعدة يبقى مشكلة خطيرة. وقالت الصحيفة إن أكثر إرث قاتل للصراعات السابقة ربما لم يأت بعد، وهو احتمال تفشي مرض فقدان المناعة المكتسبة (أيدز) لا سيما أن آخر تقرير قال إن جنوب السودان يمر بمرحلة انتقالية من الحالة الإنسانية الطارئة إلى التعافي، وهو ما يعني أن جميع الظروف متاحة لتفشي فيروس "إتش آي في" المسبب للأيدز. ووفقاً للتقارير الرسمية لجنوب السودان، فإن معدل تفشي المرض هذه الأيام يصل إلى 3%، ولكنه يرتفع في مناطق مثل نمولي إلى (10%).