أصدر الرئيس عمر البشير أمس الأول (الاثنين)، قراراً بإنشاء آلية لمكافحة الفساد في أجهزة الدولة ومتابعة كل ما ينشر ويبثّ عنه في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، برئاسة الدكتور الطيب أبو قناية، وتقوم الآلية بالتنسيق بين رئاسة الجمهورية والجهات المختصة بوزارة العدل والمجلس الوطني لاستكمال المعلومات وإعداد التقارير بشأنها. الإعلان عن تشكيل آلية الجديدة لمكافحة الفساد تتبع لرئاسة الجمهورية، ربما كان بديلاً لمفوضية الفساد التي لوّح رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة بتشكيلها وكان آخرها في خطابه السنوي احتفالاً بالعيد ال(56) لاستقلال السودان مساء السبت الماضي بالقصر الجمهوري. قرار رئيس الجمهورية كان قد سبقه اعتزام اللجنة الدائمة لمتابعة تقرير المراجع العام والشركات المتهرِّبة من المراجعة برئاسة عضو هيئة الحسبة والمظالم بروفيسور حاج آدم الطاهر، استصدار موجّهات جديدة لضبط المال العام ومحاربة الفساد، وقرّرت اللجنة في اجتماع مشترك ضم المراجع ولجنة الحسبة والمظالم بالبرلمان والجهات ذات الصلة، الثلاثاء 27 ديسمبر2011 تعيين مراجعين خاصين في كل المجالات لملاحقة كل المراحل الخاصة بضبط المال العام، ومراجعة العقودات المختلفة. { في ثنايا القرار تشكيل آلية جديدة لمحاربة الفساد تتبع لرئاسة الجمهورية، وما سبقه من محاولات من عدة جهات رقابية، يلمح المراقبون اعترافاً ضمنياً بشبهات فساد في الدولة توجّب معه تخصيص آليات لمحاربته، ما يدحض كل محاولات تصوير النظام القائم على أنه مبرأ من كل عيب.. فالفساد الذي قال الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي؛ د. حسن الترابي، أنّه استشرى للحد الذي ضرب مؤسسات الدولة الدينية من لدن ديوان الزكاة وحتى هيئة الحج والعمرة، تصدّرت محاربته عناوين المؤتمرات التنشيطية للحزب الحاكم التي عقدها في الفترة الماضية، بل أصبح ركناً رئيسياً من أركان أيّما خطاب جماهيري لقيادات الحكومة في كافة المناسبات. { في السياق لا يمكن إغفال العديد من خطابات النائب الأول لرئيس الجمهورية؛ علي عثمان محمد طه، في الفترة الأخيرة، والتي كرّر من خلالها تعهّداته بمحاربة الفساد والمفسدين، مطالباً أجهزة الإعلام بالقيام بدورها بعيداً عن التضخيم، مناشداً بالتروي في تناول القضايا الوطنية التي تمس اقتصاد البلاد، مقرّاً في الوقت ذاته بوجود أخطاء تقع من الجهاز التنفيذي هنا وهناك، لكنه قال في لقاء تفقّدي مع والي ولاية الخرطوم مطلع ديسمبر الماضي: "علينا ألا نرجم الذبابة بصخرة..!! لسنا ضد النقد وكشف الفساد أو الانحراف". { طه تعهّد بفتح كل ملفات الأداء التنفيذي أمام أجهزة الإعلام، وشدّد على ذلك لدى مخاطبته مجلس تشريعي ولاية الخرطوم (الاثنين 5 ديسمبر 2011) مطالباً إياه بتفعيل أدوات المحاسبة والمراقبة لإقامة الحق، وشدّد على منع الاخفاقات في الجهاز التنفيذي ومحاسبة المقصرين، وقال: (لا نريد للمنابر التشريعية أن تتحول إلى نمور من ورق وافتعال البطولات الزائفة). { تأكيدات النائب الأول لرئيس الجمهورية - التي رسمت الخطوط العريضة لملامح ما أطلق عليها (الجمهورية الثانية) لمرحلة ما بعد انفصال جنوب السودان - لم تحرك ساكناً لدى القوى السياسية المعارضة، حيث ظلّت قياداتها تشكك في أكثر من مناسبة في مصداقية المؤتمر الوطني في محاربة الفساد، ورأت أن الحزب الحاكم والفساد وجهان لعملة واحدة وأن القضاء على أي منهما يذهب بالآخر، وقلّلت من أثر تشكيل الآلية الجديدة، وعدّت الخطوة محاولة لامتصاص حالة الاحتقان التي أشارت إلى أن البلاد تعيشها بسبب سياسات الحكومة. { وبحسب عضو تحالف المعارضة، الناطق باسم حزب البعث العربي، محمد ضياء الدين، الذي استنطقته (الأهرام اليوم) فإن الدولة إذا قامت على الفساد فلن تنجح أيّما آلية فى محاربته، غضّ النظر عمّن يقف على رأسها أو أهدافها، وأن المخرج الوحيد للمحاربة هو تغيير النظام بكامله والاتيان بقوّة جديدة وعقل جديد، لافتاً إلى أن على رئيس الجمهورية إذا ما كان يريد محاربة الفساد أن يبدأ بأعلى قمّة السلطة مروراً بمؤسسات الدولة المختلفة، وكوادر حزبه الذي وصفه بحامي الرأسمالية الطفيلية التي أفقرت الشعب السوداني - بحسب عباراته - وأوصلت الفقر إلى مستوى تجاوز ال 90% من الشعب. { من جهته علّق المحلّل السياسي والكاتب الصحفي؛ د. خالد التجاني، على القرار بقوله: "حمداً لله على السلامة.. أخيراً الحكومة اعترفت بوجود فساد يستدعي تشكيل آلية لمكافحته..!! لافتاً إلى أن الإشكال (من أساسه) لم يكن فى عدم وجود قوانين أو آليات لمحاربة الفساد وإنما - حسب ما يمضي التجاني - الإشكال يتعلّق بغياب الإرادة السياسية لمحاربة الفساد، ودلّل على ذلك بوجود وزارات حكومية رفضت الخضوع للمراجعة من قبل المراجع العام، لافتاً إلى أنّ الأمر ينطوي عليه خللٌ خطيرٌ جداً، محملاً الحكومة مسؤولية تفاقم الفساد عبر إصرارها على ما أسماه بمحاولات تنزيه مسؤوليها لاعتبارها أن محاسبة المسؤولين فيه مساس بهيبة الدولة..!! { د. خالد نبّه إلى أنّ هيبة الدولة لا تتحقّق إلا بإقامة العدل، وقال إنّ هذه الحكومة ترفع شعارات إسلامية وعليها الالتزام بها في المقام الأوّل، مشيراً خلال إفادته ل(الأهرام اليوم) أمس إلى أنّ محاربة الفساد لن تتأتّى إلا إذا تساوى الجميع أمام القانون وحُوسِب الكبار قبل الصغار، وشدّد على ضرورة تفعيل قانون (من أين لك هذا)، وفتح ملفّات الفساد القديمة، وتشكيل نظام مؤسّسى فعّال يتساوى فيه الجميع ولا يجعل لصاحب سلطة أيّما حصانة. { ما ذهب إليه المحلل السياسي خالد التجاني لا يبتعد عن تسريبات من تقرير موسّع للمراجعة العامة خاص بحالات تجنيب المتحصّلات بأجهزة الدولة بالمستوى القومي والولائي للعام 2010م، والذي تمّ الكشف خلاله عن فتح حسابات بأسماء بعض الوزراء في بنك أم درمان الوطني والبنك الزراعي بعيداً عن وزارة المالية، وأكّدت أنّ حساباتهم لم تقدّم للمراجعة وأزاح التقرير الستار عن حجم المبالغ المجنّبة بإحدى الوزارات والبالغة (55.465.199.85) جنيهاً وفي وزارة أخري (8.404.566) جنيهاً، وأكّد أنّ حجم الصرف خارج الموازنة بإحدى الادارات بلغ العام الماضي (7.9) مليون دولار. { وأبدت المراجعة في التقرير الذي نشرته الزميلة (الصحافة) ملاحظات بوجود حساب مفتوح برئاسة البنك الزراعي بالخرطوم باسم وزير منذ 2009م وحتى الآن، وأشار إلى أنّ الحساب بلغ من 2009 وحتى 2011م (306.185.154) جنيهاً، وأوضح بأن الصرف من هذا الحساب يتمّ بموجب تصديق صادر من الوزير أو مدير مكتبه إما نقداً أو بشيكات بموجب توقيعين لوكيل الوزارة ونائبه والمراقب المالي ومحاسب الوزارة. { تسريبات تقرير المراجعة الداخلية ربّما كانت واحدة من جملة تجاوزات لم تطلها يد الأجهزة الإعلامية وتجعل من شكوك تحالف المعارضة حقيقة تنتظر من رئيس الآلية الجديدة إعمال مبضعه، وبالتالي فإنّ السبيل الوحيد للردّ على تلك الشكوك أن تقوم الآلية الجديدة بواجباتها بفعّالية وجديّة، ولا تستثني أحداً حتى لا تتحوّل إلى مجرد شعار رفع للمساعدة في امتصاص حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب السوداني بسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة والتي لم تنج من تأثيراتها أسرة. من هو (أبو قناية)؟! { السيرة الذاتية لرئيس آلية الفساد د. الطيب أبو قناية، تجعله من الناحية الفنية بعيداً عن تعقيدات الملف مؤهلاً لقيادة دفّة الآلية، فقد تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، ونال زمالة المحاسبين، والزمالة الأمريكية في الإدارة وفي المشتريات، بجانب عضوية المعهد الملكي للإدارة في بريطانيا.. حاصل على درجة الماجستير والدكتوراة في إدارة الأعمال. { شارك بالتدريس في بعض الجامعات وأشرف على عديد من بحوث الماجستير والدكتوراة. { عمل بالخارج في (السعودية) و(الكويت)، في مجال الاستشارات المالية والإدارية. وعمل مديراً عاماً للشؤون المالية والمحاسبية لمجلس قيادة الثورة، ثم مديراً عاماً للقصر الجمهوري، وبعدها انتقل للعمل بمطبعة العملة. { عمل مدير عام المراجعة الداخلية لأجهزة الدولة ووكيل لوزارة المالية إلى أن تمّ انتدابه لمؤسسة الرئاسة لتأسيس آلية مكافحة الفساد.