{ كل شيء يدفع باتجاه سلام دارفور، بدءاً بحسابات السماء التي خلصتنا من سدنة الحرب، وانتهاءً بحسابات الأرض التي أفلح دكتور تجاني السيسي في تعدادها وأنا أستمع له من خلال برنامج (المشهد) الذي بثه تلفزيون السودان أول أمس، وفي مقدمة هذه الحسابات زهد الطامعين في تأجيجها بعد أن طال أمدها وربما لأنها استنفدت أغراضها المتمثلة في فصل جنوب السودان، وقبل كل ذلك كلفتها التي أرهقت الدول الكبرى وهي تستنزفهم بمليار وخمسمائة مليون دولار سنوياً تصرف على اليونميد والأنشطة الدولية المتصلة بالنزاع في دارفور وبالذات في ظل أزمات اقتصادية تضرب الغرب من أقصاه إلى أقصاه. { لكل شيء جولته التي تبدأ باردة ثم تتصاعد حتى تبلغ أوج تداعياتها ومن ثم تبدأ هبوطها التدريجي حتى تسكت تماماً مثلها مثل أية رواية لها بداية وعقدة تصعد إليها بعد أحداث متلاحقة ثم يبدأ الحل لتلك العقدة حتى ينتهي بنا التسلسل إلى الحلقة الأخيرة وهكذا كل صراع ونزاع. وقد أراد الله للصراع في دارفور أن يتصاعد سريعاً حيث بلغ مجلس الأمن في أقل من سنتين، في حين بلغ الصراع في جنوب السودان هذه المرحلة بعد خمسين سنة، وهذا ما يجعلنا نفسر سرعة تصاعد الصراع في دارفور بقصر عمر الصراع، وبحساب الرياضيات فإن قطع الطريق إلى مجلس الأمن في سنتين لن يمنح الصراع في دارفور عمراً يتجاوز العشر سنوات، والآن نحن نعيش اللحظات الأخيرة لاستكمال العشر سنوات ونراها تتزامن مع الأسباب التي تصنع النهايات. { من أسباب السلام التي أراها تتنزل تلك الفرص الكبيرة التي سنحت لسلام الدوحة والإمكانات المهولة التي يتمتع بها على مستوى الحلول والأفكار التي تتضمنها الاتفاقية، وهي عصارة عصف ذهني وحلقات تفاوض تعمقت في تشريح الأزمة، بالإضافة للتجربة السياسية التي يتمتع بها الفريق السياسي لأطراف اتفاق الدوحة، وللأمانة الفرق كبير بين تجربة السيسي وتجربة مني أركو مناوي وتجربة الآخرين، وكذلك تجربة القوات المسلحة السودانية في الحرب في دارفور، مما جعلها أحد أهم أسباب السلام في دارفور وبالذات ما أنجزته من تأمين لم تستطع الحركات المسلحة أن تكسره لأكثر من ثلاثة أعوام، بالإضافة لضربتها النوعية التي قصمت بها ظهر البعير، وكذلك تجربة أهلنا في دارفور مع النزوح واللجوء ومع الحرب بشكل عام، وقد أفقدتهم الكثير وأضافت لمعاناة الحرب بدلا من أن تخففها، لا سيما في ظل تناقص الدعم والاهتمام الدولي، ولذلك فإن العودة والتعويض الذي تطرحه الاتفاقية أفضل من أية خيارات أخرى لا أمل في بلوغها. { من الفرص القوية التي تعرض نفسها لسلام دارفور، وهي من حسابات السماء، تلاشي الداعمين وأبرزهم العقيد الهالك القذافي الذي كان يوفر للحركات المسلحة أكثر من (90%) من وقود الحرب من آليات عسكرية وأسلحة وذخائر ومواد غذائية وأموال، وقد فضحت الوثائق التي تم العثور عليها بعد سقوط النظام هذه العلاقة وإن كانت معلومة وموثقة لكل شعب السودان، وكذلك فقدت الحرب في دارفور الدعم الحكومي التشادي وتجاوز البلدان القطيعة بينهما وصارا أكثر إدراكا بمصالحهما، ولما يقارب العامين حلت القوات المشتركة من البلدين في المواقع الحدودية التي كانت حكراً على الحركات المسلحة في البلدين، وفقدت الحرب كذلك الدور السلبي الذي كانت تتآمر به الحكومة المصرية أيام حسني مبارك وتضرب به كل فرص السلام، والآن لم يعد هناك داعم للحرب في دارفور غير دولة بائسة ومصطرعة من داخلها هي دولة جنوب السودان التي تملك حكومة الخرطوم من الأدوات ما تجعلها غير قادرة للذهاب بعيداً في دعمها وإيوائها لحركات دارفور، وبالذات بعد مقتل خليل ابراهيم الذي كانت تعول عليه كثيرا للقيام بما عجز عنه الحلو وعقار، وقد كان خليل فرصة الحرب الوحيدة لسدنة الحرب. { علي الحكومة السودانية أن تستثمر هذه الفرص التي هي الأن بين يديها لا سيما وأن للفرص والظروف جولات وأعمار مثلما كانت للحرب عمر وجولة استكملتها تماما.