لماذا أعدم النظام المايوي في عام 1985م الأستاذ محمود محمد طه رئيس ومؤسس الحزب الجمهوري؟ لقد كان النظام المايوي في مثل هذه الأيام من عام 1985م أصبح بمعنى الكلمة نظاماً فردياً بل إنه أصبح فردياً قبل ذلك بوقت طويل، فقد كان الرئيس نميري هو الآمر الناهي وهو الكل في الكل وكان الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي هو الحزب الحاكم حزباً صورياً عاجزاً حتى عن تنظيم مسيرة معتبرة . وكان الحزب الجمهوري حزباً مسالماً لم يلجأ قط إلى العنف ولم تسجل ضده أية محاولة انقلابية وكانت آراء زعيمه في بعض المسائل الدينية معروفة وقد لقيت استهجاناً كبيراً وسط قطاعات واسعة من جماهير الشعب لكن الحزب الجمهوري في ذلك الوقت من عام 1985م وطوال تاريخه لم يشكل أي خطر على النظام القائم. وقد انتقل النظام المايوي في وقت مبكر من عمره الذي امتد إلى ستة عشر عاماً تقريباً من اليسار إلى اليمين وفسر البعض ذلك بانعدام المبدأ وفسره آخرون بالواقعية السياسية، وأصحاب هذا الرأي الأخير يقولون إن النظام المايوي كان سريع الاستجابة للواقع والانسجام معه، فأركانه عندما قرروا أن يكونوا اشتراكيين ونفذوا انقلاباً عسكرياً كان يرمي إلى إقامة مجتمع اشتراكى فإنهم فعلوا ذلك لأن الاشتراكية كانت في ذلك الوقت من ستينات القرن الماضي لا تزال مذهباً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً جذاباً في كثير من الدول وكانت قلوب الملايين في العالم تهفو لهذا المذهب على اختلاف مذاهبه. وسريعاً ما تراجع النظام المايوي عن الاشتراكية وأصبح الاشتراكيون داخل السودان وخارجه هم أعدى أعدائه ثم أخذ المد الإسلامي في الانتشار ثم نشبت الثورة الإيرانية وانتصرت عام 1979م وأقامت الجمهورية الإسلامية وتصاعد المد الإسلامي في السودان بعد المصالحة الوطنية التي أعلنت عام 1977م واشتراك الحركة الإسلامية في الحكم، وأصلاً كانت ولا تزال خلفية الحزبين الكبيرين التاريخيين (الاتحادى الديمقراطي والأمة) دينية، وكانا في ذلك الوقت خارج الحكم لكن جماهيرهما كانت موجودة . وربما لذلك تصور النظام المايوي إذا ما أقام حكماً إسلامياً فإنه سوف يحظى بتأييد معظم الشعب ويضمن البقاء زمناً أطول وربما كان ذلك صحيحاً، لكن الصحيح أيضاً أن السودانيين لم يكونوا جميعاً مسلمين، فقد كان هناك الجنوب والجنوبيون وما أدراك ما الجنوب والجنوبيون. ثم أعلنت القوانين الإسلامية في سبتمبر 1983م وكان التطبيق بصفة عامة منفراً، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ وإنشاء محاكم العدالة الناجزة وتحت تلك الظروف أعدم رئيس ومؤسس الحزب الجمهوري الأستاذ محمود محمد طه . وجاء في كتاب الصحفي المصرى الكبير الراحل موسى صبري (50 عاماً في قطار الصحافة) - صفحة 550 : «وأذكر بهذه المناسبة أن الرئيس حسني مبارك أرسل مبعوثاً خاصاً إلى الرئيس نميري في الخرطوم هو الدكتور أسامة الباز طالباً إليه عدم إعدام ذلك الشيخ واستجاب نميري ولكنه أعدمه بعد ذلك برر نميري تنفيذ الإعدام بأنه استدعى الرجل وأبلغه أنه لن يعدمه فكانت إجابته لا يهمني سواء أعدمتني أم لا فأثارت هذه الإجابة الرئيس نميري وقرر تنفيذ حكم الإعدام» . وبعد لقد ودّع محمود محمد طه الدنيا رجلاً شجاعاً وودعها آخرون من أمثال العقيد القذافي مذعورين متوسلين .