من أشهر الانتقادات التي وُجِّهت للنظام المايوي الذي تولى حكم السودان في 25 مايو 1969م ثمّ أطيح به صباح 6 أبريل 1985م أنه كان نظاماً متذبذباً بدأ يسارياً، ثم أصبح اهتمامه بالبُعد التكنوقراطي التنموي هو الأهم ثم صالح الأحزاب التقليدية التي كان يصنِّفها أيام كان يسارياً في خانة أعداء الشعب. ثم أصبح نظاماً إسلامياً يُطبِّق الحدود ويعتلي رئيسه المنبر في صلاة الجمعة بمسجد القوات المسلحة خطيباً وإماماً؟ وفي مايو 69 كانت للانقلابات العسكرية شرعيتها، في هذه المنطقة من العالم وفي أمريكا اللاتينية، وكانت الإشتراكية مذهباً سياسياً اجتماعياً جاذباً يهفو إلى تطبيقه على الأرض ملايين البشر، وكان نصف الكرة الأرضية يحكمه الإشتراكيون بقيادة الاتحاد السوفيتي. وفي إفريقيا والعالم العربي كان الزعماء الأكثر جاذبية هم عبد الناصر في مصر، وهواري بومدين في الجزائر، وجوليوس نيريري في تنزانيا. وكان هناك كاسترو في كوبا وهوشي مِنّه في فيتنام وجوزيب بروس تيتو في يوغسلافيا، وكانت العلمانية هي سيدة الموقف. ولذلك لم يكن وارداً في ذلك الوقت من مايو 69 أن ينتصر انقلاب عسكري يميني، وكانت كل الظروف متاحة لأن يأتي الانقلاب العسكري يسارياً. وهذا هو ما تحقق هنا في السودان في مايو 69. ثم مات عبد الناصر في سبتمبر 70، ثم غير الرئيس السادات بعد انتصاره في حرب أكتوبر 73 مسار النظام المصري من اليسار إلى اليمين ومن الاشتراكية إلى الانفتاح ومن القطاع العام إلى الخصخصة. ومن مصادقة الاتحاد السوفيتي إلى موالاة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن لاءات الخرطوم الثلاث إلى الاعتراف بإسرائيل وإنهاء الحرب معها وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة اليهودية. لقد تراجعت الإشتراكية مع أواخر سبعينيات القرن الماضي وانحسر المد القومي وبدأ لكثير من العرب والمسلمين أن الإسلام هو الحل، ومما عزّز هذا الشعور انتصار الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 79 وإطاحتها بنظام الشاه محمد رضا بهلوي حاكم إيران، وكان نظامه يعد أحد أقوى الأنظمة في المنطقة، وبدأت قوة الإسلاميين تزداد في السودان وفي مصر وفي غيرهما. ومن الواضح أن النظام المايوي شعر بعد الثورة الإيرانية وبعد مقتل السادات في أكتوبر 81 أنه عاجز عن مقاومة المد الإسلامي. ومن رأينا أنه كان مخطئاً في ذلك الشعور!!، فقد سقط عام 85 رغم (اسلاميته) ويرى البعض أنه كان يستطيع الاستمرار لو أنه مثلاً شرع في الديمقراطية.