{ المهم جدا هو ما وصلت إليه شرطة ولاية كسلا وهي تكشف الفبركة التي تعمدها الطفل (عمار) وهو يدعي اختطافه بوساطة ملثمين وتخديره من بعد ذلك وقد استطاع الطفل خداع أسرته وأسرة مدرسته والشرطة التي هبّت لإعادته وكشف خفايا هذه الظاهرة التي بدأت تضرب الولايات بعد أن تكرر وقوعها في المركز وقد أزعجنا ذلك وكتبنا في هذه الزاوية عن تمدد الظاهرة إلى الولايات وأخيرا تنجح شرطة كسلا في بعث رسائل تطمين مفادها أن الولايات ما زالت بخير ولكنها في ذات الوقت تكشف عن ظاهرة جديدة ربما يتكرر حدوثها وهي البطولة والأضواء التي يبحث عنها الأطفال عبر هذا النوع من الجرائم حتى لو كانت من وحي خيالهم وتدابيرهم البسيطة والساذجة التي تجعل الواحد منهم يخطف نفسه. { لن نلوم الصغير (عمار) فهذا ما انتهى إليه تفكيره وهو يطالع صحافتنا وهي تكتب عن هذه الجرائم وتلاحقها وكأنها حلقات مسلسل في كل يوم هناك جديد تحمله الصحف وهي تتبارى في عرض صور الأطفال المخطوفين وذويهم وتفرد لهم صفحات كاملة تنشر فيها تفاصيل حياتهم وتجيء بأصدقائهم الصغار وتجري معهم حوارات عن البطل المخطوف وتحشد الجيران وهم يذرفون الدموع ويتواصل الطرق الإعلامي المشوق حتى يعود الطفل المخطوف ومن ثم تتصاعد التغطية الإعلامية وهي تضم إليها أبطالا جددا في مقدمتهم الأشخاص الذين يعثرون على المخطوفين والاحتفاء الكبير بهم وتحفيزهم على الصدفة التي جمعتهم بالمخطوف واصطحابه إلى قسم الشرطة وإن لم يتعرفوا عليه ويعود البطل المخطوف إلى صفحات الصحف من جديد وهي توثق لعودة البطل إلى أسرته وسط حشد من الكاميرات والجيران والتقاط الصور للجميع مع البطل العائد وقد كانت التغطية الإعلامية لخطف (وئام) وعودتها كثيفة تبارت فيها الصحف وهي تطرح المثير وتفتح تغطياتها بابا للتخيل عن (عالم الخطف) هذا في ظل نقص حاد للمعلومات وعجز طفلة عن كشف ما حدث لها وتعاطفها مع خاطفيها مما يجعل كل إنسان طفلا كان أو رجلا أو امرأة تكملة الصورة بالطريقة التي يسعفه بها خياله. { المعالجة الإعلامية لظاهرة خطف الأطفال ها هي بدأت تفرز نتائجها على صعيد الأطفال الذين تستهويهم هذه التغطية وتغريهم على البحث عن خاطفين وإن لم يجدوهم يخفون أنفسهم لأيام كما حدث مع الطفل (عمار) أملا في الأضواء وتصدر صورهم وأخبارهم الصحف كما يحدث لكل مختطف وكذلك فإن التغطية الإعلامية ربما تكون من الأسباب التي أدت لانتشار الظاهرة وتزايد عدد المخطوفين وذلك بسبب لفت نظر ضعاف النفوس إلى نوع من الجرائم لم تكن تخطر على بالهم وقد يكون مدخلهم إلى هذه الجرائم هو ممارسة نوع من التواصل الإجرامي مع المجتمع وشغله بعملية خطف ومتابعة التغطيات الصحفية اليومية وما تكتبه الصحافة عن طفل يحتجزونه ويستمتعون بذلك وهكذا يتصل هذا السجال حتى يضيق عليهم الخناق ويخشون ضبطهم فيسرعون للإفراج عن المخطوف ومتابعة تداعيات ذلك في صحف الأيام اللاحقة وقد كان الحديث عن (حواء) التي كانت تحتجز (وئام) وتعاطف وئام معها وهي تطالب والدتها بإرسال طعام وأغطية لحواء وهذا ما يجعلنا نميل إلى ما يمكن أن نسميه (السجال الإجرامي الإعلامي) الذي يقوم على فعل إجرامي هو خطف الأطفال وتغطية صحفية، للمخطوف والخاطف نصيب معتبر وذلك في ظل غياب تفسيرات لهذه الظاهرة التي يعود المخطوفون منها وهم بخير حسب الفحوصات الطبية التي أجريت لكافة العائدين من الخطف. { هذا لا ينفي دور الصحافة الاجتماعية الإيجابي تجاه هذه الظاهرة بجانب دور يقع على عاتق الأسر تعمل من خلاله على سلامة ما يستخلصه أطفالهم من التغطيات الصحفية التي يطالعونها أو ما يصل إلى مسامعهم من أحاديث عن هذه الجرائم وكذلك من المهم أن تضع الصحف في اعتبارها التداعيات السلبية لما يمكن أن تنتجه تغطياتها على نفوس الأطفال وعلى آخرين يمكن أن يكونوا خاطفين على إثر مطالعتهم لتغطياتها وبذلك يجنبون الناس اتساع دائرة هذه الظاهرة المقلقة التي بدأت تتصاعد وتزحف في كافة الاتجاهات.