بوتيرة متسارعة يشهد الملف النفطي بين دولتى السودان وجنوب السودان تطوّرات متوالية صار من العصي الإمساك بها، فقد دأبت طاولة التفاوض على الاهتزاز تبعاً لمسار الأحداث والتفاعلات على الأرض، والتي تتشكل غالباً من ملمح انعدام الثقة بين الدولتين، وهي الثقة التي تضعضعت بالفعل بعد الانفصال تبعاً لتطورات أمنية وخلافات حول بعض القضايا العالقة الأخرى، بيد أنّ مشهد النفط وآباره، أنابيبه وأسعار الصادر كانت على الدوام هي الحاضر ضمن مسألة الخلاف منذ يوليو الماضي، الخلاف الذي بلغ حد اتهام حكومة جنوب السودان نظيرتها في الخرطوم بسرقة كميات من إنتاجها والاستيلاء على شحنات بموانئ التصدير قدرتها الأولى ب(815) مليون دولار، فيما يدافع السودان بأن جوبا ترفض سداد متأخراتها البالغة (900) مليون دولار حتى نوفمبر الماضي. { الخلاف يطوّق كذلك عدداً من التفصيلات الأخرى في الملف مثل أنبوب الصادر وسعر مرور البرميل، ففي حين تتمسّك الخرطوم بعائد قدره (36) دولاراً للبرميل فإنّ (جوبا) تصرّ على أقل من دولار واحد نظير انسياب ثروتها إلى أقصى الشرق..!! { السودان الذى يتطلع الى حلّ ولو مؤقت للخلاف الذى يعرقل تصدير نفط الجنوب أعلن أمس (السبت) عن ليونة في موقفه باستعداده للإفراج عن سفن محمّلة بشحنات من النفط الخام احتجزها في وقت سابق، يأتي ذلك بعد القمّة الرباعية الرئاسية بين السودان ودولة الجنوب وإثيوبيا وكينيا أمس الأوّل المخصصة لمناقشة مسألة النفط بين الجانبين، القمّة التي شهدت انسحاب رئيس دولة الجنوب من طاولتها. { الجنوب الذى انفصل في يوليو الماضى يجابه تحديات ضخمة في سبيل توفير موارد لخزينته العامة خاصة وأنه لم يوفّق أوضاعه حتى الآن للتعامل مع صناديق دوليّة يحصل بموجبها على قروض ومنح تنموية. { ووفقاً لقراءات المراقبين الاقتصاديين فإنّ اعتماد الدولة الوليدة على النفط بنسبة (98%) ربّما يدفعها إلى قبول أيّ اشتراطات تفرضها الحكومة السودانية، بيد أنّها ضربت خيط التوقعات حينما أعلنت تراجعها عن قبول الاتفاق الذى أمن عليه الوسطاء، ما عزز من تكهنات مسبقة تقول إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقف وراء تعنت الجنوب. { وبحسب تقارير إعلامية نشرت مؤخراً فإن الإدارة الأمريكية التزمت بدفع قروض ومنح لفترة خمس سنوات نظير إيقاف إنتاج النفط كمسعى لتعكير صفو المناخ أمام استثمارات الصين أكبر مشتر ومنتج للنفط في البلدين حيث بلغ حجم واردتها منهما نحو (12.99) مليون برميل العام الماضى وتؤمّن في ذات الوقت (5%) من حاجتها النفطية من الجنوب. وفي السياق كشف خبير أمريكي في شؤون الطاقة عن وجود خطة جديدة تستهدف الاستحواذ على المزيد من نفط السودان الشمالي بعدما اكتشف مؤخراً أن الحدود التي جرى ترسيمها قبل انفصال الجنوب تؤمن جغرافياً امتداداً طبيعياً بعرض الشمال وحتى جنوب دارفور لحقول النفط تحت الأرض لمصلحة الشمال. وأوردت صحيفة الخليج الإماراتية على لسان الخبير الأمريكي وجود مخزون نفطي ضخم بأكثر مما أوضحته الدراسات الأولية داخل حدود الشمال وبشكل لا يمكن بمقتضاه سحبه جنوباً كما أن الشمال لديه احتياطي أكبر مما توقعته أبحاث وتقارير أمريكية في السابق أهمها استكشافات (شيفرون) منذ سنوات مبيناً أن هناك خطة بدأ تفعيلها منذ فترة وجيزة تفتعل بموجبها جنوب السودان مشاكل مع السودان تؤدي حتماً إلى حرب ومواجهات لافتاً إلى أن المطلوب حالياً شغل الشمال في صراع حتى العام 2017م على الأقل ريثما يتم الانتهاء مبدئياً من مشروع خط نقل النفط الجنوبي جنوباً. وقال الخبير إن تهديدات جنوب السودان أو إقدامه على وقف ضخ التصدير النفطي شمالاً أمر غير جدي وليس سوى إحدى مناوشات الغرض منها إحداث الإضراب المطلوب رافضاً التعليق عن ما إذا كان لإسرائيل علاقة بهذا الأمر وقال عليكم بقراءة ما بين سطور زيارة رئيس جنوب السودان الأخيرة لإسرائيل. وأوضح الخبير حسب رأيه أن مشروع تصدير النفط جنوباً سيستغرق أكثر من خمس سنوات وحددها بثماني سنوات على الأقل مبيناً أن مشروع خط نقل النفط الجنوبي جنوباً كان قد رفضه الراحل جون قرنق عندما عرضه عليه رجل أعمال ألماني. وأفاد الخبير أن مشروع مد خط أنابيب تم استبعاده لتكلفته الباهظة إلا أن المشروع الحالي أي النقل عبر خط سكك حديدية، ستنفذه شركة (تيسون كروب) وهي شركة الرجل الألماني نفسه بالاشتراك مع شركة غامضة الهوية اسمها (اير لوجيستيك) وشركة هندسية روسية وهي موس (متروستروي) وأن العمل الهندسي بدأ فور توقيع العقود في أكتوبر 2010م. { وكان جنوب السودان قد شرع في إيقاف إنتاجه النفطي البالغ (350) ألف برميل يومياً منذ (الاثنين) الماضي وقال إنّه سيتمكن من سدّ فجوة إيرادات البترول بالضرائب والقطاع الزراعي، وجدّد من موقفه أمس حيث قال كبير مفاوضي الجنوب بأديس أبابا ان بلاده ستستكمل وقف الإنتاج بحلول يوم أمس (السبت). { من وجهة نظر الخبير الاقتصادى الدكتور محمد الناير الذي استنطقته (الأهرام اليوم)، فإن دولة جنوب السودان لا تصلح معها سياسة اللين والدبلوماسية ويتطلّب موقف السودان التشدّد والقوة والتمسّك بالحقوق، مضيفاً بالقول إنّ حكومة السودان لم تأخذ أكثر من حقها، ووافقت على طرح الوسطاء رغم انه لم يتوافق مع خطها. { دكتور الناير أشار إلى أجندة دول أخرى وراء دولة الجنوب تدفع لها مقابل إيقاف النفط لاستهداف السودان والشركات الصينية، متهماً امريكا باستغلال السانحة لتجعل الجنوب لا يتوصل الى اتفاق حتى تشرد الشركات الصينية، واعتبر الناير أنّ فك حظر السودان للبترول المحتجز بميناء التصدير فقدٌ لجزء من حقوقه، مشيراً إلى أنّ جنوب السودان كل ما نال تنازلاً تعنّت أكثر في موقفه، فحكومة الجنوب - بحسب الناير - نواياها غير جيّدة، كما انها تؤذى نفسها في مصدر تعتمد عليه بنسبة (98%) بينما السودان اعتماده على النفط (20%) فقط. { وفي ما يخص موقف الصين الذى تأخر كثيراً يقول الخبير الاقتصادى محمد الناير إن بكين في أدبياتها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول التى تستثمر فيها، فهى غير الولاياتالامريكيةالمتحدة، وتوقّع لجوء الصين الى وسائل ضغط حال إدراكها للنوايا الامريكية، ووسائل الضغط هذه كما يرى الناير يمكن ان تكون مجلس الامن الدولى والمنظمات الدولية للمحافظة على حق امتيازاتها للاستثمار النفطى في جنوب السودان. { الآن الصين - كما يمضي محدثنا – ما زالت تلوح ولم تتّخذ موقفاً رسمياً لكنها إذا شعرت بالإضرار بمصالحها ستلجأ إلى لعب دور أكبر في حلّ الأزمة بين البلدين. { وينظر كثير من المراقبين بقلق شديد للخلاف حول النفط وسط أجواء مفتوحة على عدة احتمالات على ضوء التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان الأمر الذى اعتبره هؤلاء إن لم يكن صراع موارد فقط فهو صراع متأصل ربما يعصف بكل جهود الوسطاء، وبدأت جوبا منذ تصاعد الأزمة النفطية التخبط في بحث حلول لتصدير نفطها حيث اعلنت في وقت سابق انها بدأت في بناء خط انابيب عبر كينيا ويوغندا لكن المؤشرات الفنية أكدت عدم امكانية انشاء خطوط هنالك نسبة لطبيعة المنطقة وجغرافيتها، بخلاف التوترات الأمنية في ولايات الجنوب. { من جهتها ترى الحكومة السودانية في إعلان دولة الجنوب بناء خط انابيب جديد مجرد نوع من الضغط السياسى لإجبار الخرطوم على تقديم تنازلات تتصل بالصراع النفطى بين البلدين معتبرة الأمر مجرد مناورات وانه لا يمكن بناء خط في غضون عشرة أشهر فالأمر يحتاج ما بين عامين أو ثلاثة إذا ما شرع الجنوب فعلاً في ذلك..!! { في السياق لم يستبعد الخبير الاقتصادى دكتور صلاح كرار وجود أيادٍ خارجية معادية للسودان تقف بجانب دولة الجنوب لإيجاد مزيد من المعوقات بجانب قضية ترسيم الحدود والنفط لتستغل في طريق تقدم وتنمية السودان، ويقول كرار في إفادة خاصّة ل(الأهرام اليوم) حول المسألة إن حديث السودان في ما يتعلق بالنفط موضوعي، فهو من بنى فط الأنابيب ودفع ثمنه، معتبراً ان مطالبات الحكومة السودانية في محلها، رغم انه لم تكن التكلفة العالمية المتعارف بها، فهنا القضية مختلفة حيث الحديث عن عبور بترول دولة الجنوب لحوالي (1610) كيلو متر ويستخدم المضخّات بالإضافة للمعالجات الكيميائية لبترول الجنوب الذي يحوى كثيراً من الشمع وغيرها من اعمال التأمين على طول الخط. { كرار توقع أن يوافق السودان على تخفيض سعر مرور البرميل إلى حدود (20) دولاراً، نافياً وجود شبهة مغالاة من قبل الحكومة السودانية في تمريرها لنفط الجنوب، وأشار إلى أنّ جوبا لا تمتلك موارد اخرى - غير البترول - قابلة للصادر حيث إنّ انتاجها ينحصر في الذرة الشامية وتكفي فقط للاستهلاك المحلى هذا بالاضافة للموارد السمكية. { إذن في الأرض الزلقة تجري مناورات جوبا حول موقفها التفاوضي في المسألة النفطية، وتغامر بوقف الإنتاج دون مراعاة لمصالح الشركات المستثمرة هنا، بما فيها الشركات الصينية، وهي مسألة من شأنها رسم صورة قاتمة للعلاقات بين البلدين وموقف المفاوض الجنوبي، خاصة إذا تأكدت فرضية وجود أمريكا في الظل وتحريضها من وراء الستار لحكومة جنوب السودان بغية الحصول على مقعد بكين الاستثماري، وهي - بكين – المالكة لأكثر من 200 شركة في السودان تنشط في عدد من المجالات النفطية والزراعية برأسمال (13.1) مليار دولار فيما بلغ حجم التبادل التجارى بين السودان والصين (8.18) مليارات دولار.