{ ملف الصحة، من الملفات الحساسة والخطرة جداً، لتعلقها بحياة الملايين من أبناء السودان، ورغم ذلك يبدو أن الحكومة ما زالت تتعامل مع هذا الملف بالكثير من الإهمال، واللا مبالاة! { ودرجة اللا مبالاة تبلغ حد أن يفترش مرضى غسيل الكلى شارع الإسفلت أمام مستشفى الخرطوم، يغلقون الطريق، مفضِّلين الموت تحت عجلات السيارات، على انتظار الموت البطئ بسبب عجز وزارتي الصحة الاتحادية، والولائية عن توفير أدوية ومواد غسيل الكلى منذ أسابيع..!! { ملفات الفساد في قطاع الصحة، ابتداء من تجاوزات إدارات المستشفيات مروراً بأخطاء هيئة الإمدادات الطبية، وانتهاء بالصراع بين (لوبيات) الدواء في السوق، كل الأطراف المتورطة فيها، أعضاء بحزب (المؤتمر الوطني) وليس (الحزب الشيوعي)، ولا الطابور الخامس الموالي للحركة الشعبية - قطاع الشمال!! { ما يحدث في قطاع الصحة طوال (العشر سنوات) الماضية يمثل وصمة عار في جبين (الإسلاميين)، وهم في حاجة إلى أن يتبرأوا من هذه (اللوبيات) المضرة بالبلد، أكثر من ضرر (اللوبي الصهيوني)! { أين تذهب ملايين الدولارات المخصصة في البنوك لاستيراد الدواء بالسعر الرسمي؟ وكم هو حجم الأدوية التي انتهت صلاحيتها داخل مخازن الإمدادات الطبية؟ كم طناً؟ وكم تبلغ تكلفتها من الخزينة العامة.. كم مليار جنيه؟ ولماذا يبقى مدير مستشفى بحري في موقعه يوماً واحداً، يا بروفيسور «مأمون حميدة»، رغم أن لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها بواسطتكم أكدت أن هناك قصوراً إدارياً في توفير أسطوانات الأكسجين بقسم الطوارئ، مع توفُّرها بالمخزن؟! كيف يتلاعبون بحياة الناس في أقسام الطوارئ بهذه العبثية والاستهتار؟! كيف يقول مدير مستشفى بحري في استجواب لجنة تقصي الحقائق إنه كان (يهظِّر) مع مسؤولي قسم الطوارئ عندما رفض منحهم الأكسجين؟!! { القرار الصحيح الذي كان ينبغي أن يتخذه - وما زالت أمامه الفرصة لاتخاذه - السيد وزير الصحة بولاية الخرطوم، هو إعفاء المدير العام لمستشفى بحري، دون وجل أو تردد، حتى لا (يهظِّر) مرة أخرى بأرواح البشر، وحتى لا تتكرر مثل هذه الأخطاء القاتلة في هذا المستشفى، أو غيره من المستشفيات، غض النظر عن علاقة نقص الأكسجين بوفاة (3) مرضى بقسم الطوارئ، وما تبعه من (جدل بيزنطي) فارغ في بعض الصحف، فالمهم هو أن اللجنة قالت بعدم وجود أسطوانات أكسجين في القسم الأهم بالمستشفى في تلك الليلة المأساوية التي شهدت وفاة أولئك المواطنين.. رحمهم الله.. وتقبلهم قبولاً حسناً. { لماذا لم يتخذ بروفيسور «مامون» هذا القرار؟! هل تدخل المدير العام للوزارة ورأى رأياً آخر متأثراً ببقايا (صراعات) سابقة في الصحة الاتحادية من زمن الوكيل السابق د. «كمال عبد القادر»؟! هل..؟ وهل..؟ وهل هكذا تُدار شؤون صحة وحياة الناس في بلادنا؟ - 2 - { لم تقنعني إجابة السيد رئيس الجمهورية في حواره التلفزيوني (أمس الأول) حول موضوع الفساد. فالسيد الرئيس يؤكد أنه (لا كبير على المحاسبة)، وأنه لن يستر مسؤولاً مهما كان، وأنه أول من وجَّه (الأمن الاقتصادي) بالتحقيق في مستندات فساد (شركة الأقطان) والقبض على المتورطين فيها، قبل (4) أيام من نشر الزميلة (التيار) للوثائق. { السيد الرئيس يقول إنه لم تقع في يديه مستندات فساد أخرى، وأنه لا يأخذ الناس بالشبهات. { حسناً سيدي الرئيس.. أرجو أن تصدر توجيهاتك لإدارة (الأمن الاقتصادي) التابعة لجهاز الأمن والمخابرات بأن يمدوا سيادتكم بالمستندات والتقارير اللازمة عن كل الوزارات (السيادية) وغير السيادية، وجميع المؤسسات الحكومية، والهيئات الاقتصادية، حول التجاوزات المالية والإدارية واستغلال النفوذ في كافة المرافق. { أخشى سيدي الرئيس.. إذا تم إصدار مثل هذه التعليمات، أنك لن تجد من تثبت براءته وسط الكثيرين من (الكبار) و(الصغار)!! { لماذا تطلبون من الصحافة توفير المستندات.. وكل المستندات بطرفكم؟ { الصحافة دورها أن تنبهكم.. أن تدلكم على مواضع الفساد.. وأنتم المسؤولون عن توفير الأدلة.. والأجهزة المختصة - لو تم توجيهها - ستقوم بالواجب وأكثر.. { ولكن.. ثم لكن.. وأستغفر الله لي ولكم.